للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العظيم أن نعد هذين الرجلين -حمادًا وخلفًا- النموذجين المثليين للرواة المحترفين الذين كانوا يروون أشعار القبائل. فقد كانا كلاهما من أصل فارسي. أما رواة القبائل فكانوا من العرب، يختارهم الشعراء ليكونوا الوسيلة التي تحفظ شعرهم وتخلده في صدور القبيلة والأمة العربية بعامة. وكان من هؤلاء أن أخذ الرواة الجامعون في القرنين الأول والثاني الهجريين ما جمعوا من شعر. وأما أن نذهب، كما ذهب أحد العلماء المحدثين١، إلى أن جميع ما نسميه بالشعر العربي القديم موضوع منحول، مستدلين على ذلك بالقصص التي تُروَى عن حماد وخلف، وقد قدمنا نماذج منها فهو مذهب مخالف لجميع وجوه هذه القضية واحتمالاتها. إن حمادًا وخلفًا كانا يحاكيان أسلوبًا للنظم كان قد قُرِّر واتخذ صورته النهائية زمنًا طويلًا قبل الإسلام، وكان قد نظم به شعراء كثيرون كانوا وثنيين، أو غير مسلمين، في زمن محمد ثم أسلموا؛ وقد كثر استخدامه وسُجل بالكتابة لعهد شعراء القرن الأول الهجري "مثل جرير والفرزدق والأخطل وذي الرمة، ولم أذكر إلا الذين خلفوا لنا تراثًا من الشعر كبيرًا". فسلسلة الرواية والنقل لم تنقطع: فقد كانت الطبقة الأخيرة من الشعراء على قيد الحياة ينظمون الشعر حينما كان العلماء يدأبون في جمع الشعر وتدوينه. ولا يمكن أن تعترضنا، في دراستنا لهؤلاء الشعراء مشكلة الوضع والنحل لأن رواتهم قد دأبوا على كتابة القصائد التي تلقى عليهم لنشرها وتخليدها. أما الشعر الجاهلي فربما حاكاه حماد وخلف، ولكن هذه الحقيقة نفسها، المحاكاة، تدل على وجود أصل يحاكى.

أما أن نذيع أن ما بين أيدينا لا يعدو أن يكون الصورة المحكية، وأنه لم يبق شيء من الأصل نفسه فذلك أمر لا يقره الفهم السليم على ضوء هذه الظروف".


١ ذكر ليال في الهامش أن المقصود هو الأستاذ مرجوليوث في ما نشره في ص٣٩٧ من مجلة الجمعية الملكية الآسيوية سنة ١٩١٦، وفي مقالته عن "محمد" المنشورة في معلمة الدين والأخلاق ج٨ ص٨٧٤، وفي ما كتبه في ص٦٠ من كتابه "محمد" المطبوع سنة ١٩٠٥. ثم يقول ليال إن الأستاذ مرجوليوث يذهب مذهبًا يدعو إلى الدهشة والعجب وهو قوله: "إن الشعر القديم هو في معظمه موضوع منحول صيغ على نمط القرآن".

<<  <   >  >>