ثم يمضي ليال في حديثه فيقول:"إن ما ينبغي أن نستنتجه من هذه القصص عن حماد وخلف ليس رد هذا الشعر القديم ووصمه بأنه موضوع منحول من غير بحث وتمحيص، بل وضع هذا الشعر موضع البحث الدقيق مهتدين بما تقدمه الرواية في ذلك الزمن من الأدلة، وناظرين إلى موضوع القصيدة وأسلوبها والصفات الشخصية المميزة، لنرى بعد ذلك هل فيها ما يوحي على أي وجه بأن فيها زيادات دخيلة، أو تغييرًا في ترتيب الأبيات، أو أنها موضوعة منحولة".
وقد تحدث ليال عن هذا الموضوع حديثًا مفصلًا في موطن آخر، وذلك في مقدمته لديوان عبيد بن الأبرص، قال١: "أما موضوع صحة هذا الشعر فأمر من الطبيعي أن يختلف فيه الناس. إذ من المؤكد أن شعر الأعراب في الجاهلية العربية لم ينتقل بالكتابة، بل بالرواية. وكانت القبيلة تعد القصائد التي تسجل انتصاراتها أغلى ما تملك، فكانت ترويها جيلًا بعد جيل، وبالإضافة إلى هذه المعرفة العامة المنتشرة في القبيلة، كان هناك الراوي، وعمله أن يحتفظ بمذخور الشعر الذي تعيه ذاكرته. وكان يعتني بالذاكرة -في العصور التي لم تستخدم فيها الكتابة إلا في المدن ولأغراض خاصة - عناية كبيرة، بحيث كانت أكثر قدرة على الاستيعاب منها في العصر الحديث. وليس من الغريب أن تتناقل القصائد بهذه الطريقة قرنين أو ثلاثة.
ومن الطبيعي أن يفترض المرء أن هذه القصائد اعتراها بعض التغيير في أثناء هذا التناقل: فقد تُستبدل بعض الكلمات المترادفة بغيرها، وقد يؤدي عدم تثبت الذاكرة إلى إسقاط أبيات، أو تغيير في ترتيبها، أو وضع عبارات الراوي بدل العبارات التي نسيها. ومثل هذه الظواهر شائعة في كل مكان. غير أننا حين نفحص القصائد ذاتها نجد فيها من الشخصية الفردية ما يكفينا للاستدلال على
١ طبعة دارالمعارف ص١٧-١٩، وانظر المقابلة ترجمة الدكتور حسين نصار في مجلة الثقافة عدد ٦٤٥، ٧ مايو ١٩٥١.