أن القصائد، في معظمها، من نظم الشعراء المنسوبة إليهم. فالمعلقات السبع مثلًا كلها قصائد ذات شخصية وخصائص واضحة؛ وتعرض لنا سبع شخصيات متميز بعضها من بعض كل التميز. ونجد الأمر نفسه في القصائد الثلاث الباقية "للأعشي والنابغة وعبيد" التي عدها بعض النقاد من المعلقات. فقد تركت شخصية امرئ القبس وزهير ولبيد والنابغة والأعشى طابعها على شعرهم ومن جموح الخيال أن نظن أن معظم القصائد المنسوبة لهم مصنوعة في عصر متأخر، صنعها علماء عاشوا في ظروف مغايرة تمام المغايرة، وفي حياة شديدة الاختلاف عن حياة الأعراب في الصحراء العربية.
والسبب الثاني لاعتقادنا أن الشعر القديم صحيح في جملته، وليس منحولًا، هو أن شعر القرن الأول الهجري يتضمن وجود هذا الشعر الجاهلي ويفترض سبقه عليه: فقد استمر شعراء القرن الأول المشهورون: الفرزدق وجرير والأخطل وذو الرمة، يتبعون تقاليد الشعراء الجاهليين، من غير أن تكون بينهم فجوة؛ ففضلًا عن أنهم ذكروهم في شعرهم، فقد استعملوا ذخيرتهم الشعرية مرارًا متكررة، متناولين الموضوعات نفسها بالأسلوب نفسه: محسنين ومحورين ومقتبسين، ولكنهم ما يزالون متقيدين بالتقاليد نفسها. وليس هناك من شك في أنه قد وصلنا شعر هؤلاء الشعراء صحيحًا، فقد عاشوا في عصر عم استخدام الكتابة فيه لتدوين الشعر وإن كانت الرواية ما تزال أداة نشره بين الجمهور.
وسبب ثالث: هو أن الشعر القديم مليء بألفاظ كانت غربية على العلماء.
الذين كانوا أول من عرض هذا الشعر على محك النقد. فقد كانت تنتمي إلى مرحلة لغوية أقدم من عصرهم، وكانت غير مستعملة في الزمن الذي كتبت فيه القصائد وجمعت الدواوين. ولا بد من أن يتنبه كل من اتصل بالشروح القديمة وعرفها "وهي المادة التي جمعت منها المعاجم الكبيرة فيما بعد" إلى أن الشراح -الذين يختلفون فيما بينهما اختلافًا كبيرًا- توصلوا إلى شرح الصعوبات بمقابلة عبارة أخرى، وبالجدل والنقاش، لا بالرجوع إلى لغة الخطاب التي لم تعد