للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتكلمون لغتنا العربية الفصحى ففرض لا سبيل إلى الوقوف عنده فيما يتصل بالعصر الجاهلي، فقد ظهر أنهم كانوا يتكلمون لغة أخرى، أو قل لغات أخرى".

ثم يعرض لما يقال من احتمال اتخاذ أهل الجنوب اللغة العدنانية لغة أدبية، فينفيه لأن "السيادة السياسية والاقتصادية -التي من شأنها أن تفرض اللغة على الشعوب- قد كانت للقحطانيين دون العدنايين"١.

٣- اختلاف اللهجات: وبعد أن ينتهي من الشعر الذي يضاف إلى القحطانيين ينتقل إلى الشعر الذي يضاف إلى العدنانيين فيقول٢: "فالرواة مجمعون على أن قبائل عدنان لم تكن متحدة اللغة ولا متفقة اللهجة قبل أن يظهر الإسلام فيقارب بين اللغات المختلفة ويزيل كثيرًا من تباين اللهجات. وكان من المعقول أن تختلف لغات العرب العدنانية وتتباين لهجاتهم قبل ظهور الإسلام ولا سيما إذا صحت النظرية التي أشرنا إليها آنفًا وهي نظرية العزلة العربية.. فإذا صح هذا كله كان من المعقول جدًّا أن تكون لكل قبيلة من هذه القبائل العدنانية لغتها ولهجتها ومذهبها في الكلام. وأن يظهر اختلاف اللغات وتباين اللهجات في شعر هذه القبائل الذي قيل قبل أن يفرض القرآن على العرب لغة واحدة ولهجات متقاربة. ولكننا لا نرى شيئًا من ذلك في الشعر العربي الجاهلي. فأنت تستطيع أن تقرأ هذه المطولات أو المعلقات التي يتخذها أنصار القديم نموذجًا للشعر الجاهلي الصحيح، فسترى فيها مطولة لامرئ القيس وهو من كندة أي من قحطان، وأخرى لزهير، وأخرى لعنترة، وثالثة للبيد، وكلهم من قيس، ثم قصيدة لطرفة، وقصيدة لعمرو بن كلثوم، وقصيدة أخرى للحارث بن حلزة وكلهم من ربيعة ... تستطيع أن تقرأ هذه القصائد السبع دون أن تشعر فيها بشيء يشبه أن يكون اختلافًا في اللهجة، أو تباعدًا في اللغة، أو تباينًا في مذهب الكلام: البحر العروضي هو هو، وقواعد القافية هي هي، والألفاظ مستعملة


١ ص٩٨.
٢ ص١٠٣-١٠٤.

<<  <   >  >>