للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتب العربية ذكر لنا أن حمادًا قال شعرًا أو خلَّف ديوانًا رواه عنه غيره.

ولو كان له شعر لحرصوا على ذكره لأنهم عنوا بتسجيل الشعراء وشعرهم ودواوينهم أولًا، ولأن ذلك كان يقوي من رأي من اتهمه بالوضع والنحل ثانيًا. فكيف لم يذكروا شعر حماد وديوانه، وهم يذكرون "أن لخلف ديوان شعر حمله عنه أبو نواس"١؟ ثم، أيكون المرء شاعرًا، في مثل هذه المنزلة من الفحولة والشاعرية، فيصرف كل شعره إلى غيره وينحله إياه، ويضن على نفسه بأن ينسب إليها بعضه؟ ولسنا في حاجة إلى إطالة القول وبين أيدينا خبر آخر إن لم يكن ذا دلالة قاطعة على أن حمادًا لم يكن يحسن قول الشعر، فهو على أقل تقدير مما يستأنس به في هذه السبيل؛ وذلك أن حمادًا حين أراد أن يمدح بلال بن أبي بردة، لم يستطيع أن ينظم شعرًا في مدحه، وإنما انتحل لنفسه شعرًا جاهليًّا قديمًا ووجهه في مدح بلال، ولم يكتشف ذلك إلا ذو الرمة حينما سمع حمادًا ينشده، ثم اعترف به حماد٢.

ومما يدعم هذا الذي نذهب إليه ويكشف عن مقدار التخبط الذي وقعت فيه هذه الأخبار والروايات، ما ذكره ابن سلام، قال "سمعت يونس يقول: العجب لمن يأخذ عن حماد، كان يكذب ويلحن ويكسر". فيكف يكون حماد بهذا القدر من الشاعرية الفذة التي حاولت الرواية أن تصوره بها ثم يكون بعد ذلك يكسر الشعر ولا يقيم وزنه؟ لا شك أن أحد هذين الخبرين موضوع، ولعلهما كليهما كذلك٣.

فإذا كان الأمر على ما بينا، وكان هذان الخبران موضوعين، فإن لهما مع ذلك دلالة لا يصح أن نغفلها، وهي أن بين المفضل وحماد منافسة شديدة


١ ياقوت، إرشاد ١١: ٦٨.
٢ الأغاني: ٦: ٨٨.
٣ انظر أيضًا كتاب "العربية" تأليف يوهان فك، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار ص٦٢-٦٣.

<<  <   >  >>