للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربما بلغت حد الخصومة والاتهام، ثم استغلها تلاميذ المفضل ورووا عنها الأخبار: يتهمون حمادًا ويقوون من مكانة أستاذهم المفضل فتقوى بذلك مكانتهم. أما المنافسة بينهما فلعلها كانت لأن المفضل -على ما يروون من أنه كان ثقة كثير الرواية للشعر- كان لا يحسن شيئًا من الغريب ولا من المعاني ولا تفسير الشعر، وإنما كان يروي شعرًا مجردًا١. أما حماد فقد تقدم أنه كان عالمًا "بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم"٢، وكان "من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها"٣. فكان حماد إذن يروي ما لم يكن يرويه المفضل، ويعرف ما لم يكن يعرفه، فاتهمه بالتزيد بل اتهمه بالوضع والنحل.

ولا ينبغي أن ننسى أن حمادًا كان أموي الهوى وكانت "ملوك بني أمية تقدمه وتؤثره وتستزيره، فيفد عليهم، ويسألونه عن أيام العرب وعلومها، ويجزلون صلته.."٤ وجاءه يومًا صديقه مطيع بن إياس يدعوه إلى مجلس جعفر بن أبي جعفر المنصور، فقال له حماد٥: "دعني، فإن دولتي كانت مع بني أمية وما لي عند هؤلاء خير ... " أما المفضل فقد كان عباسي الهوى، وقد قربه المنصور وألزمه ابنه المهدي يؤدبه؛ وللمهدي صنع المفضليات.

ونحسب أن ما بسطناه من وجوه هذه المنافسة والخصومة يزيدنا اطمئنانًا إلى ما قدمناه في أمر هذين الخبرين عن المفضل وحماد.

٢- الأصمعي وحماد:

ولقد كان أمر المفضل وحماد بين رجلين من الكوفة نفسها جمعتهما عصبية بلدية واحدة، ثم فرقتهما منافسات وخصومات شخصية وسياسية. أما الأمر بين


١ مراتب النحويين: ١١٥.
٢ الأغاني ٦: ٨٩.
٣ ياقوت، إرشاد: ١٠: ٢٥٨.
٤ إرشاد ١٠: ٢٥٨.
٥ الأغاني ٦: ٨٢.

<<  <   >  >>