للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقدمه على نفسه ثم يقول عنه كأنما جعل علم لغة العرب بين جوانح خلف الأحمر بمعانيها. وأبو بكر بن دريد يفضل خلفًا على الأصمعي ويجعله بحرًا والأصمعي ثمادًا. ومع ذلك فهذا الأصمعي نفسه يذكر أن خلفًا كان يضع الشعر وأنه وضع على شعراء عبد القيس شعرًا موضوعًا كثيرًا وعلى غيرهم عبثًا بهم، وأنه وضع أربعين قصيدة ونحلها أبا دؤاد الإيادي. وابن دريد -على تقديمه خلفًا- يذكر أن خلفًا هو قائل القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى. ولرب معترض يقول: إن وصف أخبار الطائفة الثانية خلفًا بالعلم لا تعني توثيقه في الرواية، وبذلك لا تتناقض مع أخبار الطائفة الأولى. وهذا القول مردود من وجهين؛ الأول: أن من الجائز ألا يعني الوصف بالعلم أن الموصوف به مُوثَّق في الرواية لو نُص على ذلك في الخبر نفسه، كما جاء في الخبر "ب" من الطائفة الأولى حيث قال الأصمعي عن خلف: "كان أعلم الناس بالشعر ... وضع على شعراء عبد القيس شعرًا موضوعًا كثيرًا". أما أن يوصف بالعلم ويوقف عند ذلك ولا يُنص على تضعيفه في الرواية، فإن في هذا الإغفال نفسه دليلًا على التوثيق والتعديل؛ لأن الكلام حينئذٍ ملتبس، ولا بد لإيضاحه من النص على التضعيف والاتهام لو قُصدا. على أن كلامنا هذا يزيد اتضاحه في الوجه الثاني من وجوه ردنا، وذلك هو نص ابن سلام الذي أوردناه. فابن سلام ينص على علم خلف بالشعر وينص كذلك على توثيقه في الرواية، ثم لا يكتفي بأن يجعل ذلك رأيًا خاصًّا به وإنما يذكر أن هذا الرأي هو إجماع علماء البصرة، قال ابن سلام: "اجتمع أصحابنا أنه كان أفرس الناس ببيت شعر، وأصدقه لسانًا، كنا لا نبالي إذا أخذنا عنه خبرًا أو أنشدنا شعرًا ألا نسمعه من صاحبه". ولرأي ابن سلام قيمة خاصة إذ أن ابن سلام هو من نعرف شكًّا في بعض الشعر الجاهلي، ونصًّا على بعض المنحول منه، وذكرًا لبعض الرواة الوضاعين وأخبار

<<  <   >  >>