للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضعهم. والحق أن ابن سلام لم يكتف بكل هذا الذي قاله في توثيق خلف، وإنما أضاف إليه أقوالًا أخرى ذهب فيها إلى أن خلفًا كان ناقدًا للشعر الجاهلي، يميز صحيحه من فاسده، وينص على المنحول منه، ويرد كثيرًا مما كان يُروَى في زمنه. ومن أجل هذا جاءه خلاد بن يزيد الباهلي -"وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله"- فقال له١: "بأي شيء ترد هذه الأشعار التي تُروَى؟ " فقال له خلف: "هل فيها ما تعلم أنت أنه مصنوع لا خير فيه؟ قال: نعم. قال: أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك؟ قال: نعم. قال: فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مما تعلمه أنت". وهو يصوره أيضًا أنه -في شكه في بعض الشعر الجاهلي- لا يقطع ولا يجزم، وإنما يقول إن هذه الأبيات أو تلك القصيدة "يقال" إنها لفلان؛ فمن ذلك أن ابن سلام سأله عن بيت من الشعر: من يقوله؟ فأجابه: "يقال للزبير بن عبد المطلب"٢.

ب- وفي أخبار الطائفة الأولى، وهي التي تتهم خلفًا بالوضع والنحل، أمر غريب حقًّا: فخلف بصري، والعلماء الذين يروون أخبار وضعه ونحله بصريون كذلك -مما يكاد يوهم أن هذه الأخبار صحيحة، فقد شهد بها بصريون على بصري، وبذلك فهي بعيدة عما ذكرناه آنفًا من أمر العصبية وما تدفع إليه من الاتهام. غير أننا حين ننعم في هذه الأخبار النظر نجد أنها لا تتهم حقًّا إلا الكوفيين، وأن خلفًا لا يعدو أن يكون معبرًا يجتازونه ليصلوا منه إلى اتهام علماء الكوفة ورواتها. واتخذوا خلفًا وسيلة لذلك لأنه -كما أسلفنا القول- قد أخذ عن حماد الكوفي، ثم أخذ الكوفيون بعد ذلك عن خلف. ففي الخبر "أ" "وعليه قرأ أهل الكوفة أشعارهم، وكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية لأنه كان قد أكثر الأخذ عنه،


١ طبقات الشعراء: ٨.
٢ المصدر السابق: ٢٠٥.

<<  <   >  >>