بالمريد، ونحن جماعة من أهل الأدب، ومعنا خلف الأحمر، نتذاكر أشعار العرب، وكان خلف الأحمر أروانا لها وأبصرنا بها؛ فتذاكرنا منها صدرًا، ثم أفضينا إلى أشعارنا، فخضنا فيها ساعة، فبينا خلف ينشدنا قصيدة له في روي قصيدة الشنفرى هذه وقافيتها يذكر فيها ولد أمير المؤمنين عليهم الرحمة، وما نالهم وجرى عليهم من الظلم، إذ هجم علينا الأصمعي، وكان منحرفًا عن أهل البيت، وقد أنشد خلف بعض الشعر، فلما نظر الأصمعي قطع ما كان ينشده من شعره ودخل في غيره إلا أنه على الوزن والقافية، ولم يكن فينا أحد عرف هذا الشعر ولا رواه للشنفرى. فتحيرنا لذلك وظنناه شيئًا عمله على البديهة. فلما انصرف الأصمعي قلنا له: قد عرفنا غرضك فيما فعلت. وأقبلنا نطريه ونقرظه.
فقال: إن كان تقريظكم لي لأني عملت الشعر، فما عملته والله، ولكنه للشنفرى يرثي تأبط شرًّا، ووالله لو سمع الأصمعي بيتًا من الشعر الذي كنت أنشدكموه ما أمسى أو يقوم به خطيبًا على منبر البصرة فيتلف نفسي. فادعاء شعر لو أردت قول مثله ما تعذر علي أهون عندي من أن يتصل بالسلطان، فألحق باللطيف الخبير. قال أبو العيناء: فسألنا العتبي شعر خلف الذي ذكره فيه أهل البيت فدافعنا مدة ثم أنشد:
قدك مني صارم ما يفل ... وابن حزم عقده لا يحل
ينثني باللوم من عاذليه ... ما يبالي أكثروا أم أقلوا
"وهي ٤٧ بيتًا أوردها كلها، ثم قال": كتبنا هذه القصيدة بأسرها لأنها في سادتنا عليهم السلام، ولأنها أيضًا غريبة لا يكاد أكثر الناس يعرفها".
هـ- وأمر أخير نختم به حديثنا عن خلف الأحمر. وذلك هو الخبر الذي رووا فيه أنه وضع لأهل الكوفة شعرًا كثيرًا رووه عنه "فلما تقرأ ونسك خرج إلى أهل الكوفة، فعرفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس. فقالوا له: