للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة، فبقي ذلك في دواوينهم".

وقد أشرنا إلى أن راوي هذا الخبر بصري ممن كان يتعصب على الكوفيين، وأن الغرض من هذا الخبر توهين رواية الكوفيين للشعر. ونحب في هذا المكان أن نسأل: مَنْ مِنْ رواة الكوفة أبى أن يقبل من خلف اعترافه: أكلهم أم بعضهم؟ فإذا كانوا جميعًا لم يقبلوا ذلك ففي الأمر إجماع واتفاق يعز مثلهما في أمر أيًّا كان؛ وإن كان بعضهم لم يقبل، وبعضهم قبل، فما هي القصائد التي اعترف بها خلف وأين ذكرها علماء الكوفة الذين قبلوا اعتراف خلف؟ ولو تركنا أهل الكوفة وتساءلنا عن أهل البصرة: ألم يسمع بعضهم بما اعترف به خلف لأهل الكوفة؟ فإذا كان أهل الكوفة لم يقبلوا اعترافه، فهل قبل ذلك أهل البصرة؟ وأين نصوا على هذه القصائد التي وضعها؟ ثم، إذا كان أهل البصرة قد علموا بذلك وقبلوا اعتراف خلف فقد ثبت لديهم إذن أن خلفًا كان يكذب ويضع الشعر وينحله الأقدمين؛ فكيف إذن وثقوه وقبلوا روايته؟ بل كيف وثقه الأصمعي وابن سلام -وهما من هما- توثيقًا لم يوثقاه أحدًا؟ والجواب على ذلك واضح، فقد وثقوه لأنه كان ثقة، ولأن هذا الخبر الذي رواه المبرد أو نسب إليه خبر لم يقبله أحد لأنه مما دعت إليه العصبيات والخصومات ...

وبعد؛

فلسنا نقصد إلى الحديث عن سائر العلماء من رواة الشعر، فإن حديثنا حينئذٍ لا ينتهي بنا إلى غاية نقف عندها، ونحن نرى أن في حديثنا عن حماد وخلف -وهما أشهر من رُمي بالوضع وأكثر من اتهم بالنحل- ما يغني عنه الاستقصاء والإفاضة. غير أننا نحب أن نشير إلى عالم ثالث من رواة الشعر واللغة، ثقة أي ثقة عند الكثيرين، ومع ذلك لم يعدم من يضغن عليه فيرميه بالوضع والتزيد: ذلك هو الأصمعي. وسنقتصر على خبرين فيهما تأييد لما ذهبنا إليه من أمر هذه الخصومات والمنافسات والعصبيات وما تدعو إليه من اتهام بالوضع ورمي بالكذب. فقد كان ابن الأعرابي، وهو كوفي، ينتقص الأصمعي.

<<  <   >  >>