للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-وهو بصري- ويرميه بمثل ما قدمنا؛ وكان يصح أن نرى مرد هذا الاتهام إلى العصبية التي أشرنا إلى بيان أمرها. ولكننا نجد خبرًا ذا قيمة كبيرة لنا في هذا المجال يرجع اتهام ابن الأعرابي الأصمعي إلى خصومة شخصية. قالوا١: "كان أول من أغرى ابن الأعرابي بالأصمعي أن الأصمعي أتى ولد سعيد بن سلم الباهلي، فسألهم عما يروونه من الشعر، فأنشده بعضهم القصيدة التي فيها:

سمين الضواحي لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها٢

فقال الأصمعي: ما رواك هذا الشعر؟ قال: مؤدب لنا يعرف بابن الأعرابي.

فقال: أحضروه. فأحضروه، فقال له: هكذا رويتهم هذا البيت برفع "ليلة

قال: نعم. فقال الأصمعي: هذا خطأ، إنما الرواية "ليلةً" بالنصب، يريد: لم تؤرقه أبكارًا الهموم وعونها ليلةً من الليالي. فقال الأصمعي لسعيد: من لم يحسن هذا القدر فليس موضعًا لتأديب ولدك! فنحَّاه سعيد. فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابي على الأصمعي".

وأما الخبر الثاني فهو حديث لأبي الطيب اللغوي فيه بيان جوانب كثيرة من حديثنا الذي قدمناه، قال في معرض حديثه عن الأصمعي٣: "فأما ما يحكيه العوام وسُقَّاط الناس من نوادر الأعراب، ويقولون: هذا مما افتعله الأصمعي، ويحكون أن رجلًا رأى عبد الرحمن ابن أخيه فقال: ما فعل عمك؟ فقال: قاعد في الشمس يكذب على الأعراب. فهذا باطل، ما خلق الله منه شيئًا، ونعوذ بالله من معرة جهل قائليه وسقوط الخائضين فيه. وكيف يقول ذلك عبد الرحمن ولولا عمه لم يكن شيئًا؟ وكيف يكذب عمه وهو لا يروي شيئًا إلا عنه؟ وأنَّى يكون الأصمعي كما زعموا وهو لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء ويقف عما يتفردون.


١ السيوطي، المزهر ٢: ٣٢٢ و ٣٨٠.
٢ الضواحي: ما بدا من الجسد. وأنعم: زاد في هذه الصفة.
٣ مراتب النحويين ورقة: ٨٠-٨٣.

<<  <   >  >>