للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب القبيلة بذلك سجلًا لحوادثها ووقائعها، وديوانًا لمفاخرها ومناقبها، ومعرضًا لشعر شعرائها.

فإذا كان ذلك كذلك، فمتى جُمعت هذه الدواوين أول مرة؟ وإلى أي مدى نستطيع أن نتتبع تاريخ تدوينها حتى نصل إلى بداية هذا التدوين، أو إلى قريب من بدايته؟ والإجابة عن ذلك تضطر الباحث إلى أن يسلك مجاهل وقفارًا، تحمله على أن يصطنع الحذر، وأن يتثبت من مواطئ قدميه قبل المضي وفي أثنائه، ولكنه مع ذلك لا يعدم بعض المعالم يقيمها على جانبي الطريق، وينصبها بين يديه ومن خلفه يهتدي بها في سيرة؛ ولا عليه بعد ذلك إن لم يبلغ أقصى الغاية، فحسبه أنه قد بذل الجهد وأخلص النية.

وأسلم ما يبدأ به الباحث: هذه الدواوين التي ذكرتها المصادر، ورفعت إسناد روايتها إلى الطبقة الأولى من الرواة العلماء. فقد مر بنا أن أبا عبيدة معمر بن المثنى قد جمع أشعار القبائل في كتاب واحد أو كتب عدة١. وأن الأصمعي قد جمع أيضًا بعض أشعار القبائل، ومنها ديوان هذيل الذي سنتحدث عنه بعد قليل. وأبو عبيدة والأصمعي بصريان. أما علماء الكوفة من رجال الطبقة الأولى الذين جمعوا أشعار القبائل ودواوينهم فهم: حماد الراوية "المتوفى سنة ١٥٦هـ"، والمفضل الضبي "المتوفى سنة ١٦٨ أو ١٧٨"، وقد ذكرهما الآمدي كما مر بنا٢، وخالد بن كلثوم الكلبي -وهو في طبقة أبي عمرو الشيباني٣- قال عنه ابن النديم، فيما نقله من خط ابن الكوفى٤، إنه من علماء الكوفيين و"من رواة الأشعار وعارف بالأنساب والألقاب وأيام الناس، وله صنعة في الأشعار والقبائل ... وله من الكتب ... كتاب أشعار القبائل ويحتوي على عدة قبائل". غير أن أشهر من جمع دواوين القبائل من الكوفيين:


١ ياقوت، إرشاد ١٩: ١٦١.
٢ المؤتلف والمختلف: ٢٢.
٣ السيوطي، البغية: ٢٤١.
٤ الفهرست: ٩٨.

<<  <   >  >>