للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا هو المعلم الأول في سبيل دراستنا لدواوين القبائل، ونرى منه أن هذه الدواوين كانت موجودة -مكتوبة مدونة- في القرن الثاني الهجري، أي من نهاية الربع الأول من القرن الثاني على التقريب إلى مطلع القرن الثالث، وهي الحقبة التي كان يحيا فيها هؤلاء العلماء الرواة من رجال الطبقة الأولى، وبلغ فيها نشاطهم ذروته. غير أن ذلك لا يعني أن هذه الكتب قد دونت في تلك الحقبة لأول مرة. فقد كانت تلك الدواوين هي النسخ الخاصة بهؤلاء العلماء: كتبوها بأنفسهم، بعد أن نظروا في هذا التراث الشعري الذي وصل إليهم ومحصوه ونقدوه ونخلوه، واستخرجوا ما صح منه لكل واحد منهم، ثم صاروا يقرئون هذه النسخة تلامذتهم في مجالس علمهم، ويقرأها عليهم أولئك التلاميذ، ويتناقلونها جيلًا بعد جيل على أنها رواية ذلك العالم الأول. ولقد ذكرنا في حديثنا عن تدوين الشعر الجاهلي، في الباب الثاني، وعن الدواوين المفردة، في الفصل الأول من هذا الباب أن هؤلاء العلماء الرواة من رجال الطبقة الأولى كانوا يَئُولون إلى نسخ مدونة وصلت إليهم من العصور التي سبقتهم، وأنهم كانوا أحيانًا يجمعون بين هذه النسخ، ويضيفون إليها ما يصلهم بالرواية الشفهية عن شيوخ مدرستهم أو شيوخ المدرسة المخالفة، وعن الأعراب الرواة، ثم ينظرون في كل ذلك نظرة تمحيص ونقد، حتى يستخرجوا منه ما ترجح لديهم صحته، فيضمنوه في نسختهم التي يرويها عنهم تلاميذهم. ذلك في الدواوين المفردة، فهل الأمر نفسه في دواوين القبائل؟

إن بين أيدينا ثلاثة أخبار يحسن بنا أن نعرضها ولاءً لنستبين دلالتها:

الأول: ما ذكره أبو العباس ثعلب قال١: "جمع ديوان العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها: الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ورد الديوان إلى حماد وجناد".

والثاني: ما ذكره حماد نفسه قال٢: "أرسل الوليد بن يزيد إلي بمائتي


١ الفهرست: ١٣٤.
٢ الأغاني: ٦: ٩٤.

<<  <   >  >>