للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دينار، وأمر يوسف بن عمر بحملي إليه على البريد. قال، فقلت: لا يسألني إلا عن طرفيه: قريش وثقيف؛ فنظرت في كتابي قريش وثقيف، فلما قدمت عليه سألني عن أشعار بلي، فأنشدته منها ما استحسنه..".

الثالث: ما ذكره ابن النطاح من أن حمادًا عثر على ديوان فيه "جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد فاستحلاه وتحفظه، ثم طلب الأدب والشعر وأيام الناس ولغات العرب بعد ذلك١.....".

ومهما تكن قيمة هذه الأخبار، ومهما يكن مدى الثقة في صحتها، فإن لها -لا شك- دلالتها التي تتسق مع ما قدمنا، في مواطن متفرقة، عن انتشار التدوين واتصاله في تلك الحقبة. ودلالة هذه الأخبار في أنها تصل دواوين القبائل بالدواوين المفردة -التي تحدثنا عنها- في قدم تدوينها، فهي تدل على أن كتب القبائل كانت مكتوبة مدونة قبل مطلع القرن الثاني الهجري، وأن العلماء الرواة من رجال الطبقة -في القرن الثاني- قد وصلتهم هذه المدونات من القرن الأول الهجري، فاعتمدوها مصدرًا من مصادر تدوينهم نسخهم الخاصة التي نُسبت روايتها إليهم.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن الوليد بن يزيد لم يكن وحده الذي عُني بجمع ديوان العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها، وإنما شاركه في كل ذلك بعض خلفاء بني أمية، وخاصة عبد الملك بن مروان ومن قبله معاوية بن أبي سفيان؛ وأن هؤلاء الخلفاء كانوا -كما مر بنا- يطلبون من رواة الشعر والأخبار، من تعمر بهم مجالسهم الخاصة والعامة، وأنهم كانوا يأمرون غلمانهم وكتَّابهم بكتابة ما ينشده هؤلاء الرواة والعلماء من الشعر وما يقصونه من الأخبار٢؛ إذا أضفنا هذا إلى ما قدمنا رجحت لدينا صحة الأخبار الثلاثة التي ذكرناها، ورجح عندنا أن هذه الدواوين كانت مدونة في القرن الأول نفسه. ونكون بذلك قد


١ الأغاني ٦: ٨٧.
٢ انظر ص١٩٦-٢٠٢ من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>