للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكثر علمه بالمغازي والسير وغير ذلك". ومع ذلك فإنه لم يكن له علم بالشعر، وكان يعتذر عن الأشعار التي أوردها في سيرته بقوله١: "لا علم لي بالشعر، أوتَى به فأحمله"، ولم يقبل منه ابن سلام هذا العذر، وذلك لأنه: "كتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلًا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود، فكتب لهم أشعارًا كثيرة ... أفلا يرجع إلى نفسه فيقول: من حمل هذا الشعر؟ ومن أداه منذ آلاف السنين؟.. فكأن ابن سلام كان يفترض أن هذا القدر من التمييز والعلم بالشعر مما لا يجوز لأحد من العلماء أن يجهله. ومن أجل ذلك نرى في أحكام ابن سلام على ابن إسحاق شيئًا من القسوة والتعميم فهو يقول٢: "وكان ممن أفسد الشعر وهجنه وحمل كل غثاء منه: محمد بن إسحاق". وقال٣: "فلو كان الشعر مثل ما وضع لابن إسحق، ومثل ما رواه الصحفيون، ما كانت إليه حاجة ولا فيه دليل على علم". وقال أيضًا في معرض حديثه عن أبي سفيان بن الحارث٤: "ولسنا نعد ما يروي ابن إسحاق له ولا لغيره شعرًا، ولأن لا يكون لهم شعر، أحسن من أن يكون ذاك لهم".

ومع ذلك كله فإن الأمر في حاجة إلى التقييد بعد هذا الإطلاق الذي ذهب إليه ابن سلام في أمر الشعر الذي أورده ابن إسحاق. فإذا ما عرضنا الشعر الذي أورده ابن إسحاق في سيرته -وبقي لنا بعد تهذيب ابن هشام- وجدنا أن الشعر عنده على ثلاثة ضروب:

الأول: الشعر الذي لا خلاف في أنه موضوع مصنوع، وهو الذي نُسب إلى آدم وإسماعيل والأمم القديمة والعرب البائدة. وليس في السيرة التي بين أيدينا إلا القليل منه، وإن كان قسم كبير منه قد حفظ في كتب التاريخ مرويًّا عن


١ طبقات فحول الشعراء: ٩.
٢ المصدر السابق: ٨.
٣ المصدر السابق: ١١.
٤ المصدر السابق: ٢٠٦.

<<  <   >  >>