للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن إسحاق، وذلك لأن ابن هشام قد حذف هذا القسم في تهذيبه للسيرة ونص على ذلك في مقدمته١. ومع ذلك فإن الأمثلة التي بقيت في السيرة من هذا القسم تدل على أن ابن إسحاق نفسه لم يكن يثق في صحة هذه الأشعار بل في صحة الأخبار نفسها، ولكنه وجدها أمامه مدونة أو مروية، فأثبتها كما قرأها أو سمعها. وكان يذكر من العبارات ما يبرئ به نفسه من تبعتها، فهو مثلًا حين يذكر خبر انتشار النصرانية في نجران ينص على أن "هذا حديث محمد بن كعب القرظي، وبعض أهل نجران"٢ عن ذلك، فليس عليه إذن من تبعته شيء وإنما هو يرويه كما سمعه، وكأنه يؤكد براءته من هذه التبعة بقوله بعد ذلك "والله أعلم أي ذلك كان". وهو يذكر خبر سامة بن لؤي ثم يورد له شعرًا قاله حين أحس بالموت، ولكنه لا يتحمل تبعته، ومن هنا ذكر أن سامة قال ذلك الشعر "فيما يزعمون"٣. ويورد رجزًا لثعلبة بن سعد بن ذبيان فيقيده أيضًا بهذا القيد نفسه قال٤: "وثعلبة -فيما يزعمون- الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه".

ويروي رجزًا للغوث بن مر، ويحتاط لنفسه فيقول٥: "فيما زعموا". ويورد خبر عثور بعض الناس على حجر في الكعبة قبل الإسلام بأربعين سنة مكتوب عليه بعض الحكم، فيدخل بين الكلام قيده الذي يقيد به مثل هذا الروايات فيقول٦: "وزعم ليث بن أبي سليم ... إن كان ما ذكر حقًّا..". فكأن ابن إسحاق يرى -بمثل هذا الاحتياط الذي كان يصطنعه- أن هذه الأخبار والأشعار أصبحت من التراث المروي، وأن لا سبيل إلى البحث العلمي في صحتها وصدق نسبتها، بل لو كان إلى ذلك سبيل، فليس هو ذلك الرجل الذي يضطلع بهذا


١ السيرة ١: ٤.
٢ المصدر السابق ١: ٣٦.
٣ المصدر السابق ١: ١٠١.
٤ المصدر السابق ١: ١٠٢.
٥ المصدر السابق ١: ١٢٥.
٦ المصدر السابق ١: ٢٠٨.

<<  <   >  >>