للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبء، فهو ليس عالمًا بالشعر؛ على حفظه له وروايته إياه -وليس من عمله أن يحققه ويمحصه؛ وإنما عمله في أن يورد الأخبار إيرادًا، ويسرد الروايات سردًا، ويزين كل خبر بما يستطيع أن يعثر عليه من شاهد شعري. وكل ما يستطيع أن يأخذ به نفسه في مثل هذا الموضوع هو أن ينثر في حديثه مثل هذه العبارات التي قدمناها كقوله "فيما يزعمون"، أو "إن صح ما قالون"، ليبرئ نفسه من تبعة ما يروى.

الثاني: أما القسم الثاني من الشعر الذي تضمنته السيرة فهو الذي قيل قُبيل البعثة أو في السنوات الأولى منها، فهو بذلك أقرب إلى الصحة، بل إن بعضه صحيح لا شك فيه وإن اختلف بعض الرواة في نسبته. وهنا يتجلى لنا أيضًا حذر ابن إسحاق وحيطته، وتبرؤه من التبعة، فكأنه يريد أن يؤكد المعنى الذي لمحناه في القسم الأول وهو أنه ليس من علماء الشعر المحققين له، وإنما يروي منه ما وجده أمامه وينقل ما نقله إليه غيره. ولذلك نراه يتبع إحدى طريقتين في هذا القسم من الشعر؛ الأولى: أنه يستعمل القيود نفسها التي استعملها في القسم الأول، فهو ينقل الخبر أو الشعر ويبدؤه أو يعقب عليه بقوله "فيما يزعمون"١، أو "كما يذكرون"٢، أو "فزعم بعض أهل الرواية"٣، أو "فهذا الذي بلغني من هذا الحديث"٤، أو "فهذا حديث الرواة من أهل المدينة"٥ أو ما شاكل هذه العبارات. وأما الطريقة الثانية التي اتبعها في هذا القسم من الشعر فهي نسبة الشعر إلى شاعر بعينه والتقيب على ذلك بأنها قد تروى لغيره. فمن ذلك أنه يورد شعرًا نسبه إلى أبي بكر الصديق ثم يقول٦ "ويقال: بل عبد الله


١ السيرة ١: ١٤٣، ١٤٧/ ٢: ٢٤٦.
٢ المصدر السابق ٢: ٢٤٢/ ٣: ٥.
٣ المصدر السابق ١: ٢٠٩.
٤ المصدر السابق ١/ ١٥٣.
٥ المصدر السابق ١/ ٣٧١.
٦ المصدر السابق ٢/ ٢٥٦.

<<  <   >  >>