للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الشعر الذي ورد في كتب التاريخ والسيرة أرسل إرسالًا، ولم ينسب إلى شاعر،

أو لم ينص على نسبته لشاعر، وذلك لأن ما يعني المؤرخ أو كاتب السيرة هو هذا الشعر نفسه وأنه قيل في حادثة بعينها أو في رجل بذاته، أما تحقيق نسبة الشعر فليس مما يصرفون إليه جهدهم.

وما أحسبني بعد ذلك مغاليًا إذا ضممت كتب التاريخ أو السيرة إلى كتب اللغة والنحو ولم أعدها كلها مصدرًا من مصادر الشعر الجاهلي يطمأن فيه إلى صحة ذلك الشعر الوراد فيه أو إلى نسبته إلى شاعر بعينه.

٣

وكتب الأدب العامة لا تختلف، في طريقة إيراد الشعر، عن كتب النحو واللغة والسيرة والتاريخ، ولو اقتصرنا في حديثنا على كتابين من كتب الجاحظ هما: البيان والتبيين، والحيوان، لوجدنا فيها مصداق ما نذهب إليه.

فالجاحظ -شأنه كشأن جميع من ألف في الأدب العام- لا يورد الشعر على أنه غاية تقصد لذاتها، فلا يكلف نفسه مشقة تمحيصه وتحقيقه والتثبت من نسبته وروايته، وإنما يورد الشعر ليكون مثلًا أو شاهدًا يتوسل بهما لتوضيح ما يسوق من أخبار، أو لدعم ما يذهب إليه من مناظرات ومناقشات. ومن أجل ذلك نراه -حين يذكر عادات العرب في الخطابة ويرد على الشعوبية في ذلك- يقول١: "وفي كل ذلك قد روينا الشاهد الصادق والمثل السائر". وحين يتحدث عن أنواع الشعراء وطبقاتهم، يورد على كل نوع وطبقة بيتًا أو أبياتًا من الشعر فيها ذكر لهذه الأنواع والطبقات أو لبعضها متخذًا من هذا الشعر دليلًا على صدق قوله٢ والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، بل إننا


١ البيان والتبيين ٢: ٤.
٢ المصدر السابق ٢: ٩-١٢.

<<  <   >  >>