للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسنادها". ويقول١: "وإذا صرنا إلى ذكر الخطباء والنسابين ذكرنا من كلام كل واحد منهم بقدر ما يحضرنا". ويقول بلسان صاحب الكلب وهو يرد على صاحب الديك٢: "لعلنا إن تتبعنا ذلك وجدناه كثيرًا، ولكنك تقدمت في أمر ولم تشعر بالذي تعني فنلتقط من الجميع أكثر مما التقطت ... وما حضرنا من الأشعار إلا قوله ... ".

ولم يكن ارتجال الجاحظ للكلام، ولا إلقاؤه إياه كما حضره في ذاكرته، عن قلة الكتب التي بين يديه، وإنما كان ذلك لأن طريقة التأليف في مثل كتب الأدب العامة لا تستدعي التثبت والتحقيق والرجوع إلى المصادر كما بينا في مواطن كثيرة في هذا الفصل. وإلا فقد عُرف الجاحظ بكثرة ما لديه من كتب وبكثرة ما قرأه واطلع عليه منها، حتى لقد قال أبو هفان٣: "ثلاثة لم أر قط ولا سمعت أحب إليهم من الكتب والعلوم: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل بن إسحاق القاضي. فأما الجاحظ فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويثبت فيه للنظر ... " بل إن في كتابيه هذين ذكرًا لبعض الكتب التي استمد منها بعض ما فيها من أخبار وخطب وأشعار٤.

ومع كل ذلك فقد نثر الجاحظ في كتابيه إشارات متفرقة عبر بها عن شكه فيما أورد من شعر، وهو شك قد يوهم بالتحقيق والتمحيص، ولكن السياق الذي ورد فيه هذا الشك سياق له دلالة خاصة، فالجاحظ مثلًا يورد بيتًا من الشعر ثم يقول٥: "فخبرني أبو إسحاق أن هذا البيت في أبيات أخر كان أسامة صاحب روح بن أبي همام هو الذي كان ولدها. فإن اتهمت خبر أبي إسحاق فسم الشاعر،


١ البيان والتبيين ١: ٩٧.
٢ الحيوان١: ٢٧٦-٢٧٧.
٣ ابن النديم، الفهرست: ١٦٩.
٤ انظر مثلًا: البيان والتبيين ١: ٩٢، ١٣٥/ ١٣٦، ٣٣٥، ٣٧٣، ٣٧٨؛ ٣/ ٥٧-٥٨.
٥ الحيوان ٦: ٢٧٨.

<<  <   >  >>