للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهات القصيدة، فإنه لا يقبل في مثل هذا إلا بيت صحيح، صحيح الجوهر، من قصيدة صحيحة لشاعر معروف". ويورد بيتًا لأوس بن حجر ثم يقول: "وهذا الشعر ليس يرويه لأوس إلا من لا يفصل بين شعر أوس بن حجر وشريح بن أوس". ويورد بيتًا لبشر بن أبي خازم ويقول١: "وقد طعنت الرواة في هذا الشعر الذي أضفتموه إلى بشر بن أبي خازم ... وقالوا: في شعر بشر مصنوع كثير مما قد احتملته كثير من الرواة على أنه من صحيح شعره" ويورد شعرًا للأفوه الأودي ثم يقول٢: "وما وجدنا أحدًا يشك في أن القصيدة مصنوعة".

وهذه الإشارات الكثيرة إلى وضع الشعر وردت كلها في موطن واحد، وهو حديثه عن علامات النبوة وانقضاض الكواكب، وفي معرض رد الجاحظ على من يزعم أن انقضاض الكواكب أمر معروف في الجاهلية وقد ذكره الشعراء الجاهليون في شعرهم، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أنه: ليس في انقضاض الكواكب دلالة على النبوة. فكان من بين ما رد به الجاحظ على هؤلاء أن شك في هذا الشعر ودفعه وذهب إلى أنه مصنوع. فالجاحظ إذن لم يشك في هذا الشعر لأن تحقيق الشعر وتمحيصه غايته ومقصده، وإنما اتخذ ذلك سبيلًا، من سبل كثيرة اصطنعها، للرد على مناظريه أو المخالفين له في الرأي. ومن أجل هذا نراه لا ينقد الشعر الذي يورده ابتداء، إلا في مواطن قليلة جدًّا حيث يورد عبارة واحدة متكررة هي قوله: "إن كان قالها". فهو يقول٣: "وقال أمية -إن كان قالها-" ثم يورد شعرًا، ويقول٤: "وقال تأبط شرًّا -إن كان قالها-".

ثم يورد أبياتًا؛ ويقول٥: "وقال العبدي -إن كان قاله-" وربما كانت هذه العبارة تفيد شكه في نسبة الشعر الذي يورده للشاعر الذي ذكره، ولكنها أيضًا


١ الحيوان ٦: ٢٧٩.
٢ المصدر السابق ٦: ٢٨٠.
٣ المصدر السابق ٣: ٤٩.
٤ المصدر السابق ٣: ٦٨.
٥ المصدر السابق ٤: ٢٤٨.

<<  <   >  >>