هو هذه الدواوين الشعرية التي اقتصر على الشعر نفسه واتخذته غاية لذاته، وأفرغ جامعوها وصانعوها وشراحها جهدهم في التثبت من صحة كل قصيدة بل كل بيت، والتحقق من نسبة كل ذلك إلى شاعره، ودفع ما لا تثبت لهم صحته أو نسبته، والنص على ما يشكون فيه منه. هذا الجهد الخصب المثمر الذي بذله العلماء الرواة منذ مطلع القرن الثاني الهجري، وبلغ غاية نشاطه في النصف الأخير من القرن الثاني ومطلع القرن الثالث -هذا الجهد الخصيب المثمر من التنقيب والتدقيق والتحقيق والتمحيص للتثبت من صحة الشعر وأصالته ونسبته- هو الذي أخرج لنا هذه الدواوين التي تناقلها التلاميذ من الرواة العلماء عن شيوخهم بالرواية جيلًا بعد جيل حتى وصلت إلينا مروية عن هؤلاء العلماء، مسندة إلى عالم راوية من علماء الطبقة الأولى في النصف الأخير من القرن الثاني. هذه الدواوين وحدها هي المصدر الأولي الوحيد الذي يُعتمد عليه في إثبات صحة الشعر وفي التحقق من نسبته إلى شاعر بذاته. وقد وفينا كل ذلك حقه في البحث في الفصول الثلاثة السابقة من هذا الباب.