فكان من العرب من يكتب العربية والسريانية والعبرية والفارسية، وكان في بلاد فارس وفي بلاط النجاشي مترجمون من العرب يكتبون بالعربية حين يحتاج الأمر إلى أن يترجموا إليها ويكتبوا بها.
واستوفينا في الفصل الثاني بحث هذا الموضوع حين تحدثنا عن الموضوعات التي كان يكتبها عرب الجاهلية، والمواد والأدوات التي كانوا يستخدمونها في كتابتهم؛ فجمعنا من النصوص والروايات ما يشير إلى أن عرب الجاهلية كانوا لا يكادون يتركون شأنًا من شئون حياتهم الخاصة والعامة إلا سجلوه وقيدوه، ولم يتركوا مادة ولا أداة عرفها العالم من حولهم آنذاك إلا استخدموها في كتابتهم. فكانوا يدونون كتبهم الدينية بالعربية وبالعبرية والسريانية، وكانوا يكتبون عهودهم ومواثيقهم وأحلافهم، ويسجلون في الصكوك حساب تجارتهم وحقوقهم ويكتبون رسائلهم في جليل أمورهم وصغيرها، بل كانوا يكتبون مكاتبات رقيقهم وينقشون خواتمهم وشواهد قبورهم.
واستخدموا في كتابتهم الجلد: من رق وأديم وقضيم؛ والقماش المصنوع من القطن الأبيض يصقلونه ويُعدونه للكتابة ويسمونه المهارق؛ وأنواع النبات وخاصة العسب، والخشب؛ واستخدوا العظام بأنواعها المختلفة. ثم تحدثنا عن الورق حديثًا مفصلًا انتهينا منه إلى ترجيح استخدام عرب الجاهلية لورق البردي في الكتابة.
وكان ختام هذا الباب حديثًا موجزًا عن وصف الخط والكتابة في الجاهلية. وبذلك نكون قد رجحنا ثلاثة أمور لها قيمتها وخطرها؛ أولها: قدم معرفة عرب الجاهلية بالخط العربي معرفة لا تقل عن ثلاثة قرون قبل الإسلام؛ وثانيها: نقط الحروف وإعجامها في الكتابة منذ الجاهلية نفسها، وثالثها: قيام المدارس ووجود المعلمين لتعليم الخط وانتشار الكتابة بين عرب الجاهلية انتشارًا أتاح لهم أن يسجلوا بها كثيرًا من شئونهم وأن يستخدموا لذلك كثيرًا من الأدوات.