للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنصاري ندم على مكاتبة مولاه أفلح، فأرسل إليه فقال: إني أحب أن ترد إليَّ الكتاب، وأن ترجع كما كنت. فقد لأفلح ولده وأهله: أترجع رقيقًا وقد أعتقك الله؟ فقال أفلح: والله لا يسألني شيئًا إلا أعطيته إياه. فجاءه بمكاتبته فكسرها١.

وكذلك قال بكار بن محمد: "مكاتبة أنس بن مالك سيرين الصك في صحيفة حمراء عندنا: هذا ما كاتب عليه ... ، قال بكار: الطينة التي فيها الخاتم وسط الصحيفة والكتاب حولها"٢.

والمرجح أن هذه المكاتبة لم تكن أمرًا مستحدثًا في الإسلام، وإنما كانت من أمور الجاهلية التي أقرها الإسلام وثبتها، وإنما كانت في الجاهلية تتوقف على رغبة السيد أو المالك، فقد يأذن لعبده أن يكاتبه وقد يمنعه. فلما جاء الإسلام فرض على المسلم أن يستجيب لعبده إذا أراد المكاتبة، وذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ ... } ٣.

ودليل وجود هذا الضرب من الكتابة في الجاهلية ما تذكره كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآية، وذلك أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له: صبح -وقيل صبيح- طلب من مولاه أن يكاتبه، فأبى، فأنزل الله تعالى هذه الآية فكاتبه حويطب٤. فقد طلب الغلام المكاتبة إذن قبل نزول هذه الآية، وذلك امتداد لما ألفوه قبل الإسلام، ولكن مولاه أبى عليه، حتى إذا نزلت الآية كاتبه. وبذلك أصبحت المكاتبة نظامًا ملزمًا في الإسلام.


١ ابن سعد ٥: ٦٢.
٢ ابن سعد ٧: ٨٧.
٣ سورة النور، آية: ٣٣.
٤ تفسير القرطبي ١٢: ٢٤٤.

<<  <   >  >>