وقد جاء ذلك أيضًا في التنزيل، قال الله عز جلّ:{وَأَنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً واحِدةً، وأَنَا ربُّكُمْ فاتقُونِ}؛ ألا ترى أنّ معناه: ولأنّ هذه أمتُكم أمّةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتقون: فعطف الجملة من المبتدأ والخبر على (أَنّ) وفيها معنى اللام، كما تقدّم. وهذا يزيد معنى الابتداء عبرَه، ويصرف الكلام إلى معنى المصدر، أى: ولكوني ربكم فاتقونِ.
ونحو ذلك قوله أيضا:{ضرب لَكُمْ مَثَلًا من أَنْفُسِكم هَلْ لَكُمْ مما ملكت أيمانُكُمْ من شُرَكَاءَ فيما رَزَقناكُمْ، فأنتُمْ فيه سَوَاءُ}، أى: فتستوا. قال أبو على: فأوقع الجملة المركّبة من المبتدأ والخبر موقع الفعلِ المنصوب بأن والفعل، إذا انتصب انصرف القولُ والرأىُ فيه إلى المصدر، ومعلوم أن المصدر أحد الآحاد، ولا شُبهةَ بينه وبين الجملة، وقد ترى الجملة، وقد ترى الجملة التى هى قوله:{وأنا ربُّكم} معطوفةً على أنّ المفتوحة، وعبرتها عبرةُ المفرد من حيث كانت مصدرًا، والمصدرًا، والمصدر أحد الأسماء المفردة.
ومنه أيضا -ولم يذكره أبو على- قوله تعالى:{أعنده علم الغيب فهو يرى}. أي فيرى، لأنّ الفاء جواب الاستفهام، وهي تصرف الفعل