من بعد نفيٍ أو مضاهيه كلا ... يبغ امرؤٌ على امرئٍ مستسهلًا
هذا هو أحد الشروط الغالبة للحال، وهي ثلاثة، تقدم منها اثنان، وهما: الاشتقاق، والانتقال، وهو الآن يشرع في الثالث، وهو: أن يكون صاحب الحال معرفةً، والغالب فيه أن يكون معرفةً، لأن الحال خبرٌ من الأخبار- كما مر- فكما يشترط التعريف في المخبر عنه؛ لأن به حصول الفائدة غالبًا، فكذلك يشترط في صاحب الحال، وأيضًا فإن النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الحال؛ لأن الصفة مبينة ومخصصة للموصوف بخلاف الحال، فعلى هذا يكون صاحبها نكرة إلى مع حصول الفائدة كما كانت النكرة لا تقع مبتدأ ولا فاعلًا إلا مع حصول الفائدة، فالناظم أتى بالمواضع التي تحصل فيها الفائدة مع النكرة إذا أتى الحال منها، فيريد أن الحال لا يكون صاحبه نكرةً في الغالب إلا في أحد ثلاثة مواضع:
أحدها: أن يتأخر صاحب الحال عنه ويتقدم هو، وسيأتي بيان تقديم الحال على عامله، وذلك قوله:"إن لم يتأخر" فضمير يتأخر عائدٌ على صاحب الحال، ويريد يتأخر ويتقدم عن الحال، ومثال ذلك: فيها قائمًا رجلٌ، وهذا قائمًا رجلٌ، الأصل: هذا رجلٌ قائمٌ، وفيها رجلٌ قائمٌ، وإذا كان كذلك فالأصل أن يجري قائمٌ نعتًا على رجلٍ، وإن كان النصب جائزًا، فالنعت أقوى. وقال سيبويه: "إنما كان النصب بعيدًا هنا من قبل أن هذا يكون من صفة الأول، فكرهوا أن يجعلوه حالًا كما كرهوا أن يجعلوا الطويل والأخ حالًا حين قالوا: هذا زيدٌ الطويل، وهذا عمروٌ أخوك، فألزموا صفة النكرة النكرة، كما ألزموا صفة المعرفة المعرفة، وأرادوا أن يجعلوا حال النكرة فيما يكون من اسمها كحال