بقياس، ولا تضر العبارات إذا عُرف الاصطلاح فيها، وعلى هذا المهيع جرى النحويون في منع هذه المسألة، فلم يغفلوا السماع أصلًا ثم مالوا إلى المنع بالقياس، وإنما قالوا بالقياس عضدًا لما حصل لهم بالاستقراء من امتناع العرب من التقديم، ولكن للكوفيين هنا قاعدة يبنون عليها القياس- مخالفة لما تقدم، وهي أنهم قد يعتبرون اللفظ الشاذ فيقسون عليه، ويبنون على الشعر الكلام من غير نظر إلى مقاصد العرب، ولا اعتبار لما كثر أو قل، فمن ههنا وقع الخلاف بينهم في مسائل كثيرة. والناظم قد ينحو نحوهم في مسائل كثيرةٍ، وهذه المسألة منها، وكذلك مسألة تقديم التمييز على عامله، ومسألة العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، ومسألة الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وغير ذلك مما سيأتي ذكره. وقدمرت منه مسائل، ولعله ينبه على بعض ذلك إن شاء الله. فقد ظهر قصد الناظم في إعمال القياس في هذه المسألة، وتبين علام بنى في أمثالها على الجملة، وتفصيل النظر في القاعدة المبني عليها مقرر في علم الأصول النحوية. ثم على الناظم في هذا الموضع سؤالان:
أحدهما: أنه نسب إلى جملة النحويين المنع في المسألة بقوله: "قد أبوا". فظاهر هذا أنه متفق على المنع فيه، وهذا غير صحيح؛ أما البصريون فإن الجمهور منهم على ما قال، وقد ذهب ابن كيسان إلى جواز المسألة، وقال ابن جني:"رأيت أبا علي يُسهل تقديم حال المجرور عليه، ويقول: هو قريب من حال المنصوب"، وفي التذكرة ما يدل على إجارته إياه، وقال ابن ملكون: