وقوله (فاعلم) جملة اعتراضية تفيد توكيد النظر في هذه المسألة وتحصيلها، وأنه مما لا ينبغي أن يغفل؛ إذ تعدد الحال مع اتحاد صاحبه قد أنكره فإياك أن تنكره، فإن الإقرار به هو الصواب.
وعامل الحال بها قد أكدا ... في نحو: لا تعث في الأرض مفسدا
وإت تؤكد جملة فمضمر ... عاملها، ولفظها يؤخر
هذا فصل الحال المؤكد، فإن الحال عل ضربين: مبينة، ومؤكدة. فالمبينة هي الأصل فتكلم عليها بحكم الإطلاق، ثم خص الكلام على المؤكدة، وإنما بين الناظم هنا ما يؤكده بها، وهو العامل فيها أو الجملة الواقعة قبلها، فدل ذلك من كلامه أنها تأتي للتوكيد، ثم إن توكيدها حسب ما قرر عليه وجهين: أحدهما: أن تكون مؤكدة للعمل فيها، وهو قوله:(وعامل الحال بها أكدا) يعني أن الحال تعطي من المعنى ما يعطيه العامل فيها لكن أتى بها توكيدًا على حد ما يؤكد المفرد بالمفرد، والجملة بالجملة، بل كما يؤكد الفعل بمصدره، ومثل ذلك قوله:(لاتعث في الأرض مفسدًا) فإن مفسدًا حال مؤكده لمعنى: لا تعث، لأن معناه: لا تفسد، تقول: عثا يعثو، وعثى يعثي عثوًا في الأول، وعثا في الثاني. وعلى اللغة الثانية جاءت الآية الكريمة {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}. ومثال الناظم يحتمل الضبطين على اللغتين. وعلى الجملة فالحال المؤكدة لعاملها لما كانت مؤكدة لمعناه تارة تأتي موافقة في اللفظ والمعنى، وتارة تأتي موافقة له في المعنى خاصة.
فأما الموافقة في المعنى فقط فهو الممثل به، وكأنه أشار إلى الآية الكريمة {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ومنه أيضًا قوله {ثم وليتم مدبرين}