ذلك، فليس في الحقيقة بتعارض، لا سيما إن كانا في لُغَتين مفترقتين؛ فْإنَّ اللغاتِ المفارقة الْسِنَةٌ متباينة، وقياساتٌ مستقلة، فلا تعارُضَ فيها البتة، وإن قلَّت إِحداهما بالإضافة إلى الأخرى، إلا أن تضعفَ جداً فلها حكمُها. وأما الوجهان في اللغة الواحدة فحكمها ما ذُكِر. وما كان له معارضٌ توقفوا في القياس عليه، ووقفُوه على محلّه، إذا كان المعارضُ له مقيساً، وذلك كدخول أَنْ في خبر كاد تشبيهاً بعسى، لو أعملنا نحن القياس في إدخالها لانحرفت لنا قاعدةُ عدمِ إدخالها، مع أنه الشائع في السماع.
وهذا كلّه مُبَيّن في الأصول.
وإِذا ثبت هذا فمسألة الناظم من هذا القبيل، أما إذا فرضناها عامةً في الفصل بين المضاف والمضافِ إِليه بإطلاقٍ، فلا مِرْيةَ أَنَّ الفصلَ قليلٌ، وعامَّتهُ في الشعر، فهو بحيثْ لا يُلتَفتُ إلى
/ القياس، وإذا فرضناها خاصّة في إضافة المصدر أو الصفة إلى معمولها، فنحن لا نَشُكّ ٤١٢ أَنّ عدم الفصل فيها هو الشائعُ الذائعُ، وأنّ الفصل بالنسبة إلى عدمه كالمعدوم، وأنّ ما جاء منه في الشعر وما جاء في الكلام شاذٌ في غاية الندور، فكيف نُجري فيه القياس وهو مصادمةٌ لما شاع في كلامهم من عدم الفصلِ؟ إِذ لو عزموا على القياس لكانوا خُلَقاءَ أن يتكلموا به ويكثُر في كلامهم كما كثُر عدمُ الفصل، فإن لم يفعلوا ذلك-بل أطبقوا على عدم الفصلِ-دليلٌ على عدم مراعاة ما راعاه الناظم واضحٌ، ولا يصح أن يقال: هو-وإن كان قليلا-قد ظهر له وجه من القياس، حيث جرى مجرى العامل غير المضاف في جواز بعض معمولاته على بعض؛