أحدهما: أن العلَّةَ إذا وُجِدت، وَوَجْهَ القياس إذا ظهر، لا يعتبر إلا مع شياع السماع، أو كونه في قوة الشائع لعدم المعارض، كما تقدم، وهذا ليس كذلك.
والثاني: أنَّ هذا لو كان مراعىً عندهم لَكَثُرَ في كلامهم كما كثر تقديم (١) المنصوب على المرفوع في غير المضاف.
ولا يلزم من عدم القول بالقياس في هذه الأشياء الواقعة في القرآن الكريم أن يكون عَدَمَ مراعاةٍ للفظ القرآن أو إخراجاً له عن الفصاحة أو نحو ذلك، كما يَظُن من لا تحقيق له! بل هو في أعلى الدرجاتِ في الفصاحة، لكنه لم يكثر مثلُه فيقاس عليه. وعلى هذا بنى سيبويه والمحقِّقُون، هذا الصواب، ولكن ابن مالك رُبَّما أهمل هذه القاعدة كما فعل هنا، ولعله يقع التنبيه على بعض مواضعَ من هذا النوع إن شاء الله. وقد خرجنا عن المقصود الأصلي لعارضٍ عَرَضَ فَلْنرجِعْ.
فإن تخلَّف أحدُ الشروط المتقدمة لم يَجُزِ الفصل بين المضاف والمضاف إليه قياساً على مقتضى كلام الناظم، فلو كان المضافُ غير شبيه بالفعل لكان الفاصل أجنبياً منهما، فلم يصحَّ أن يقع بينهما. وكذلك إذا لم يكن الفاصل معمولاً للمضافِ، وإن كان المضافُ شبيهاً بالفعل. ومذلك لو كان الفاصلُ مرفوعاً، لأنه عند ذلك متمكِّن في موضعه؛ إذ كان له رتبة التقديم على المضاف إليه، فكان الفصل به فصلاً حقيقةً، فاستُكرِه الفصلُ لذلك، فإذا قلت: أعجبني غلامُ في الدار زيدٍ، لم يجز، وكذلك لو قلت: أعجبني ضاربُ عندك زيدٍ، أو قلت: أعجبني ضربُ زيدٌ عمروٍ، أو: الضاربُ أبوه الغلامِ.