للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل التزمت العرب هنا الإتيان بـ (ذا).

وكذلك لا يقال: حَبَّذِي هندُ، ولا حَبَّذان الزيدان، ولا: حَبَّ أوُلاءِ الزيدون، ولا ما أشبه ذلك حسبما ينبَّه عليه.

ثم قال: ((وإنْ تُرِدْ ذَمَّا فَقُلْ لاَ حَبَّذَا)) هذا أيضاً مما خالف فيه هذا البابُ بابَ (نعم) وهو أن (حَبَّذَا) للمدح كـ (نعم) فإذا أريد الذمُّ فليس له فعل يشاركه في حكمه يُعْطِي معنى الذم، كما كان لـ (نعم) مشارك في ذلك، وهو (بئس) بل استَغنت عنه العرب بإدخال حرف (لا) على (حَبَّذَا) فإذا أرادت الذمَّ قالت: لا حَبَّذَا زيدٌ. وأنشد المؤلف (١):

أَلاَ حَبَّذَا أَهْلُ المَلاَ غَير أَنَّهُ

إذَا ذُكِرَتْ فَلاَ حَبَّذَا هِيَا

فإن قيل: إن الناظم أتى بـ (ذا) رًوِيَّا في البيتين معا، وذلك هو الإيطاءُ المعَيب (٢)، وليس ذلك من عادته.

فالجواب أن الأمر ليس كذلك لوجود المخالفة بين (ذا) الأولى والثانية، وذلك من وجهين، أحدهما أن (ذا) في الأولى اسم لـ (ذا) المشار بها في (حَبَّذَا) لا المشار بها، فهي كـ (زيد) في قولك: زيدٌ ثلاثيُّ الحروف، فـ (زيد) الواقع على الشخص، لا الاسمُ الواقع على الشخص، فاختلفا، لأن أحدهما اسم اللفظ، والآخر اسم المعنى.


(١) البيت لذي الرمة، ديوانه ٦٧٥، وينسب أيضا لكنزة أم شملة، من قصيدة قالتها في مية صاحبة ذي الرمة، وهو من شواهد الهمع ٥/ ٥١، والدرر ٢/ ١١٧، والتصريح ٢/ ٩٩، والأشموني ٣/ ٤٠، والعيني ٤/ ١٢. والملا: المتسع من الأرض، والصحراء، وموضع بعينه.
(٢) الإيطاء هو اتفاق القوافي في اللفظ والمعنى، وهو من عيوب القافية إذا تقارب، فإن تباعد سهل، مثل أن يأتي بعد سبعة أبيات فأكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>