للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تقدم في ذلك في باب التعجب كثير، وذلك كله لأن العرب أجرت البابين في بناء الصِّيَغ على قانون واحد، إذ كان المعنى فيهما واحدا، لأن التعجب من الشِيء يَرفع ذلك الشِيء إلى غاية لا يبلغها غيرُ ذلك الشِيء، حقيقةً أو مجازاً، كما أن التفضيل بين الشيئين يَرفع المفضَّل إلى غاية لم يبلغها المفضَّلُ عليه إن ذُكر، أو لا يَبلغها غيرُ المفضَّل بإطلاقٍ إن لم يُذكر المفضَّلُ عليه. فجرى البابان كذلك مجرىً واحدا.

فإذاً ما اشترطه الناظم في بناء فعل التعجُّب مشتَرط هنا، فلا يُبْنَى إلا من فعل ثلاثي، متصرِّف، قابلٍ معناه للكثرة، تام، غيرِ منفي، ولا صفةَ له على (أَفْعَلَ فَعْلاَء) ولا هو مبنيٌّ للمفعول.

فإذا تخلف شرط/ من هذه الشروط لم يُبْن منه قياسا، وما سُمع منه وُقفِ من غير ... ٥٦٨ فِعْل، فلا يقال: هو أَثْوَبُ من زيدٍ، تريد: أكثرُ ثيِاباً. ولا أَمْوَلُ منه ولا ما أشبه ذلك.

وشَذَّ من ذلك قولهم: هو أَحْنَكُ الشَاتَيْن (١)، وما عسى أن يُنْقَل من ذلك. وكذلك لا يُبنى من غير الثلاثي، فلا يقال: أَكْبَرُ مِنْكَ، بمعنى أشدُّ استكباراً. وشَذَّ من هذا أشياء، نحو قولهم: ((هو أَفْلَسُ من طَسْت (٢))) و ((أَسْرعُ من الرِّيح (٣)))، ((وأَخْلَفُ من الرِّيح (٤))) و ((وأَوْلَمُ من الأَشْعَث (٥))).


(١) أي أكلهما بالحنك. وقد ذكر سيبويه هذا القول في ((باب ما تقول العرب فيه: ما أفعله، وليس له فعل، وإنما يحفظ هذا حفظا ولا يقاس)) (الكتاب ٤/ ١٠٠) وانظر كذلك: اللسان (حنك).
(٢) الطَّسْت- بفتح فسكون- إناء كبير مستدير، من نحاس أو نحوه، يغسل فيه، يذكر ويؤنث، وهو معرب من (تشت) بالشين. وجمعه طُسُوت.
(٣) الدرة الفاخرة ١/ ٢١٧، ٢/ ٤٤١.
(٤) لم أجده فيما رجعت إليه من كتب الأمثال واللغة.
(٥) الدرة الفاخرة ٢/ ٤٢٣، وهو الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي. وانظر أصل المثل في المصدر المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>