للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن نحاة البصرة المنع شمل

أفاد هنا معنيين، أحدهما منصوص عليه، وهو أن الأسماء النكرات يصح توكيدها ويجوز قياسا، لكن بشرط حصول الفائدة به. وذلك أن توكيد النكرة تارة يكون غير مفيد فلا يجوز، نحو: رأيت رجلاً نفسه، وجاءنى رجل نفسه، وأتانى ناس كلهم، فهذا ونحوه ممنوع، من حيث إنه لا يحصل فائدة، ولأن التوكيد إنما يفيد فيما حصّل معناه عند المخاطب، والنكرة لم تتحصَّل بعد، فكيف تؤكد؟

وهذا معنى قول الزجاجى (١): لأن النكرة لم تثبت لها عين فتؤكد.

وأيضا فإن التوكيد شبيه بالنعت، وقد تقرّر أن ألفاظ التوكيد معارف، فكما لا تنعت النكرة بالمعرفة كذلك بالمعرفة كذلك لا تُؤكَّد بها. وهذا التعليل الثاني جارٍ على طريقة البصريين (٢).

وتارةً يكون توكيد النكرة مفيداً فيجوز عند الناظم، لأن الفائدة هى المتَّبَعة. فإذا قلت: صمت شهراً كلَّه؛ أو قمت ليلةً كلَّها، وسرتُ يوماً أجمع، وهذا أسدُ نفسهُ، وعندى درهم عينه - فبذكر (كل) علم أن الصيام وقع فى جميع الشهر، والقيام وقع فى جميع الليلة، ولو لم يذكر لكان محتملاً كالمعرفة سواء.

وكذلك (أجمع، والنفس) وغيرهما، فبذكر (أجمع) علم أن السير وقع فى اليوم كله لا فى بعضه، وبذكر (النفس) علم أن المشار إليه أسد حقيقى لا شبيه به، وبذكر (العين) علم أن الذى عندك درهم مصوغ، لا صرفه ولا موازنه.

قال فى "الشرح" بعد التمثيل: فتؤكيد النكرة، إن كان هكذا - يعني


(١) الجمل له (٣٤) [الطبعة الثانية - باريس ١٩٥٧ م].
(٢) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري: ٤٥٥ (المسألة الثالثة والستون).

<<  <  ج: ص:  >  >>