فأكننت الأدب فى صدرى عن من لا يعرف قدره, وصنت العلم تعظيما له عن من يجهل حقه, إذ هو أنفس الأعلاق عند أولى النهى, وأفضل الذخائر عند ذوى الحجى, وأشرف ما يفيده ذو علاء, وأسنى ما يكتسبه ذو سناء, عند كل من كمل لبه ورجح حلمه, وحسن فهمه, وصفا ذهنه, وكرم طبعه, وسمت هيئته, وثقبت فطنته.
وسهل عندى أن / أخاطر بمهجنى و [هان على أن أغرر بحشاشتى, وأخوض المتالف وأجوب المهالك وأباشر] الحنوف وأركب ظبات السيوف, رجاء أن أذيع العلم ببلد مشرفه وحرصا أن أبث الأدب] فى موضع محييه [أمير المؤمنين عبد الله عبد الرحمن بن حمد الناصر لديه المتمسك لسنة] نبيه, الخليفة المرتضى [الإمام المصطفى, ومن فضله كالنهر] , الذى لا يجهله ذو بصر, والشمس التى لا تخفى على بشر, وجداه أجدى من الجود, وحلمه أثبت من الطود, وهمته أعظم من الدنيا, وفضائله أكثر من أن تحصى, ومن أربى فى كل مجد, وزاد فى كل فضل, على آبائه الأمجاد, وأجداده الأجواد, الخلفاء الراشدين, الأئمة المهديين, الذين ملكوا العباد, وعمروا البلاد, بالنفوس الكريمة, والهمم الرفيعة, والعطايا السنية, وشرف العلم وأهله, وأحب الأدب وحامله, أبقاه الله معافى فى جسمه, آمنا فى سربه, مذلا لأعدائه, معزًا لأوليائه, مسرورًا بملكه, مبتهجا بأيامه ما طرف ناظر وغرد فى فتن طائر, وأعز الإسلام بيمينه, ونصر الحق به وفى أيامه, وفتح الدنيا لبنى أمية على يده, حتى يقوم الخطباء بمكة وجميع أمصار الأرض داعين له هاتفين بفضائله عادين لمآثره, قاصين لمناقبه.
وأتقرب به إلى الحكم ولى عهد المسلمين, البدر الباهر, السراج الزاهر, الضياء اللامع, الحسام القاطع, الخطيب المصقع, الحاكم المصدع, العالم الذى برع فى كل علم, الكامل الذى حاز كل فهم, الليث الباسل, القمقام الباذل, الذى استرق الناس بجوده, وفاق الأنام بفضله, وحاز العلاء ببعد همته, فلا يدانيه أحد فى مجد, ولا يقاس به بشر فى فضل, ولا يقاربه جواد فى فعل, ما خلا الملك الأجل والخليفة الأفضل عبد الرحمن, أباه, فإنه النهاية فى الكرم التى لا تبلغ, والغاية فى الفضل التى لا تدرك, الفاضل غير المفضول, السابق غير المسبوق.