حقه. إن صفة التقطيع ليست هبة نستطيع أن ننتحلها حين نشاء، وإنما ينبغي لمن أرادها أن يكتب كلامًا موزونًا ليكون تقطيعه مبررًا تبريرًا أدبيًّا يجعل أذواقنا تتقبله. وإنما نبيح التقطيع لمن يكتب الموزون، وإلا فنحن، بفطرتنا العربية البسيطة، نضيق بنثر يقطع على أسطر دونما وزن يسنده.
ولقد أضاف شيوع هذا الأسلوب في كتابة النثر إلى متاعب القارئ غير المختص في تذوق الشعر الحر وفهمه. ذلك أنه أصبح يرى كثيرًا من النثر المترجم مكتوبًا بأسلوب التقطيع. فكان يحسبه شعرًا حرًّا موزونًا. وحين يقرؤه ويلتمس الوزن الذي يسمع أنه ملازم للشعر الحر، يخرج بالخيبة. لأن عدم الوزن هنا ينتهي به إلى الحكم بأن الشعر الحر نثر.
ولعل هذه الظاهرة المؤسفة هي التي تجعلنا نسمع أدباء معروفين، وحتى شعراء أحيانًا، يحكمون بأن الشعر الحر نثر. فإنما يحكم كثير من هؤلاء على هذا النثر المترجم وما يشبهه مما يبدو في شكله الخارجي كالشعر الحر. وعندما ألف الأديب والقارئ أن يرى كثيرًا من النثر الجديد مكتوبًا بأسلوب التقطيع في عشرات الصحف والكتب، حسب حين رأى الشعر الحر الموزون أنه نثر مثل ذاك. والقارئ المتوسط، وحتى بعض الأدباء ليسوا شعراء إلا في النادر، ولذلك حكموا بأن الشعر الحر نثر لا وزن له ولا قافية. وكان ذلك ظلمًا فادحًا وغمطًا لحقوق شعراء ينظمون كلامًا موزونًا يجهدون له، فلا تكون مرتبتهم أعلى من مرتبة أناس آخرين يكتبون نثرًا لا جهد فيه، ويقطعونه على أسطر دونما داعٍ أدبي، ثم يعطونه للقارئ بالسعر الأدبي نفسه وربما أعلى. ومن هنا وضعت في طريق الشعر الحر أول عثرة فكبا عندها.