في لبنان قامت عدوة غريبة ناصرها بعض الأدباء وتبنتها مؤخرًا مجلة "شعر" التي راحت تدعو إليها ملحة. وكان المضمون الأساسي لهذه الدعوة كما استخلصته من مجموع ما يقولون، إن الوزن ليس مشروطًا في الشعر وإنما يمكن أن نسمي النثر شعرًا، لمجرد أن يوجد فيه مضمون معين، وعلى هذا الأساس أخذوا يكتبون النثر مقطعًا على أسطر وكأنه شعر حر، لا بل إنهم زادوا فطبعوا كتبًا من النثر وكتبوا على أغلفتها كلمة "شعر".
ولقد سموا النثر الذي يكتبونه، على هذا الشكل، باسم "قصيدة النثر" وهو اسم لا يقل غرابة وعدم دقة عن تعبير غيرهم "الشعر المنثور" ذلك بأن القصيدة إما أن تكون قصيدة وهي إذ ذاك موزونة وليست نثرًا، وإما أن تكون نثرًا فهي ليست قصيدة. فما معنى قولهم "قصيدة النثر" إذن؟
وما يهمنا في هذا الموضوع، أن نثرهم هذا، الذي يقدمونه للقراء باسم الشعر الحر قد أحدث كثيرًا من الالتباس في أذهان القراء غير المختصين فأصبحوا يخلطون بينه وبين الشعر الحر الموزون الذي يبدو ظاهريًّا وكأنه مثله. وخيل إليهم نتيجة لذلك، أن الشعر الحر نثر اعتيادي لا وزن له.
ولعل الحق مع القارئ. فكيف يتاح لإنسان لم يمنحه الله هبة العشر أن يميز الشعر الحر الموزون من "قصيدة النثر" التي تكتب، وهي نثر، مقطعة وكأنها موزونة: