يرجع جانب كبير من نفور الجمهور من الشعر الحر إلى كون الشعراء الذين ينظمون ذلك الشعر ضعيفي الأسماع بحيث يرتكبون أخطاء عروضية مشوهة وهم لا يشعرن. وأنا أكاد أجزم بأن ثمانين بالمائة من القصائد الحرة تحتوي على أغلاط عروضية من صنف لا يمكن السكوت عنه.
وهذه النسبة العالية تلفت النظر وتجعلنا نتساءل في جد حريص: لماذا يخطئ المعاصرون في الشعر الحر كثيرًا، مع أن أوزانه هي عين أوزان الشعر الخليلي الذي ينظمه هؤلاء الشعراء أنفسهم فلا يخطئون؟ والحق أنه سؤال مهم يستأهل أن نقف عنده ونفحصه. وسنرد عليه في نقط مرقومة:
"أولًا" ينبغي لنا أن نلاحظ أن الشعراء الذين نظموا بالأوزان القديمة لا يخلون من الأخطاء العروضية، وفي وسعنا أن نملأ صفحات كثيرة بأغلاط شعراء لا يصدق القارئ أنهم يخطئون. هذا مثلًا بيت من الطويل لعلي محمود طه:
وأصغى إليه الضوء في صفو جذلان
وأضفى على الوادي شعاع حنان١
وهو بيت لا يستوي وزن شطريه اللذين يجريان كما يلي:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
فعولن مفاعيلن فعولُ فعولن
أو أنهما يجمعان بين تشكيلتين للبحر الطويل لم يجمع بينهما العرب
١قصيدة "العشاق الثلاثة" لعلي محمود طه. ليالي الملاح التائه. القاهرة.