للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينبغي أن نعد الغلط ظاهرة ملازمة للشعر الحر حيث نبيح لأنفسنا أن نطرد هذا الشعر من حظيرة الشعر العربي.

"ثانيًا" ومع ذلك فإن الغلط في الشعر الحر أكثر منه في شعر الشطرين بشكل واضح يلفت النظر. إننا قد نجد خطأ عروضيًّا في قصيدة واحدة من عشر في أسلوب الشطرين، في حين نجده في ثمان من عشر في الأوزان الحرة. وهذه نسبة غير هينة تجعل الغلط في الشعر الحر ظاهرة متمكنة ينبغي أن تخص بالملاحظة.

والسبب الأكبر في هذه الحقيقة هو أن الشعر الحر أصعب من شعر الشطرين. وذلك واضح لكل من يعرف العروض العربي ولو معرفة بسيطة. إن القصيدة العربية التي تستعمل بحر الرمل بأسلوب الشطرين تأتينا بثلاث تفعيلات في كل شطر فلا تتعدى ذلك. ويكون كل شطر من الأشطر مساويًا في الطول لكل شطر آخر. وإذ ذاك يكون التعثر نادرًا وملحوظًا فلا يفوت الشاعر ولا الناقد ولا القارئ. ذلك أن موسيقى الشطر ترن في السمع لمجرد أنها تتكرر دونما تغيير في كل شطر.

ولكن ماذا يكون حال الشاعر، وهو ينظم قصيدة من بحر الرمل هذا، على الوزن الحر؟ إن الشطر هنا لم يعد يساوي الشطر في الطول وإنما يضع الشاعر شطرًا ذا تفعيلتين إلى جوار آخر ذي أربع. ومن ثم فإنه يحتاج إلى مزيد من اليقظة والتنبه لكي يضبط الوزن ويسيطر على الموسيقى. ولذلك يحتاج من يتصدى لنظم الشعر الحر إلى أن يكون ممرنًا تمرينًا عظيمًا على استعمال الأوزان ذات الشطرين بكل تشكيلاتها بحيث يصبح استعمال التفعيلات لديه يسيرًا، وبحيث ترن الموسيقى في كيانه رنينًا عفويًّا يميزه حق التمييز. وهذا ليس يسيرًا. فليس كل شعرائنا موهوبين. ليسوا كلهم ممرنين على النظم تمرينا يجعل دروب الأوزان واضحة في أذهانهم. ومن ثم فإن أسلوب الشطرين أهون على هؤلاء لو تأملوا.

<<  <   >  >>