إن من لم يحسن أسلوب الشطرين ومجرى البحور حق الإحسان لن يعرف كيف يخرج على عدد التفعيلات أو لنقل إن من لم يعرف أن ينظم قصيدة كل أشطرها متساوية الطول لن يعرف أن ينظم قصيدة يكون شطر منها طويلًا والثاني أقصر والثالث أطول. تلك مسألة بديهية.
"ثالثًا" يقع جانب من اللوم، في قضية الأخطاء العروضية الشائعة في الشعر الحر، على عواتق النقاد العرب المعاصرين. ذلك أنهم رفضوا أن يقوموا بواجبهم في نقد ذلك الشعر وغربلته، وإنما كان كل ما فعلوه أنهم هاجموه بكلمات جارحة وسخروا ممن ينظمه. ولقد كتب كثير منهم باختصار واحتقار وهزء عن الحركة كلها. وكانت حدة اللهجة وعصبية العبارات، ونبرة التحامل تشي بأنهم غاضبون وأن ما يقولونه -لذلك- بعيد عن الموضوعية. وكانت النتيجة المحتومة أن الشعراء الناشئين، وبعضهم مصاب بصلف الجهل، رفضوا أن يصغوا إليهم، وزادوا بأن جابهوهم بالسباب المقابل والهجوم والسخرية. ولم يقع الحيف في هذا إلا على الشعر العربي نفسه.
ولعل أكثر اللوم في هذه المعركة اللفظية المزرية يقع على النقاد لا على الشعراء. ذلك لأن الناقد الذي يسمي نفسه ناقدًا ثم يجهل أن الشعر الحر موزون جار على العروض العربي تمام الجريان، بحيث يتعرض للزحاف والعلل والتدوير، ويرد على المشطور والمجزوء، وتكون له ضروب، هذا الناقد يحكم على نفسه بأنه ليس ناقدًا، وإنما هو واحد من أولئك البسطاء الذين لا يتورعون عن أن يدلوا بآرائهم في كل موضوع. بلى، قد يكون هذا الناقد كفئًا في نقد موضوعات أخرى غير الشعر، إلا أنه على كلٍّ ليس ناقدًا للشعر ما دام لا يميز الموزون من غير الموزون.
ولقد كانت نتيجة هذه الأحكام السطحية المتسرعة من بعض الأدباء، أن الشاعر الناشئ الذي ينظم الشعر الحر ويدري أنه شعر لا نثر، وأنه موزون بحيث يمكن أن يحاسب عليه، هذا الشاعر فقد ثقته بالناقد،