الحديث الذي يبتعد في شكله ومضمونه عن الفترة السابقة وما قبلها"١. وكتب جبرا إبراهيم جبرا أن السنين القادمة "سترى ولا شك تغلب الشعر الحر". ولنلاحظ أنه أخذ، دون مبالاة، اصطلاحنا "الشعر الحر" الذي هو عنوانه حركة عروضية تستند إلى بحور الشعر العربي وتفعيلاتها، أخذ اصطلاحنا هذا وألصقه بنثر اعتيادي له كل صفات النثر المتفق عليها، وليس فيه أي شيء يخرجه عن النثر في المصطلح العربي، وليته على الأقل ترك اصطلاحنا ووضع غيره حرصًا على وضوح الاصطلاحات في أذهان جماهيرنا العربية المتعطشة للمعرفة. وإنما سمينا شعرنا الجديد "بالشعر الحر" لأننا نقصد كل كلمة في هذا الاصطلاح فهو "شعر" لأنه موزون يخضع لعروض الخليل ويجري على ثمانية من أوزانه، وهو "حر" لأنه ينوع عدد تفعيلات الحشو في الشطر، خالصًا من قيود العدد الثابت في شطر الخليل. فعلى أي وجه تريد دعوة النثر أن تسمي النثر شعرًا؟ وما هذه الفوضى في المصطلح والتفكير لدى الجيل الذي يقلد أوروبا في كل شيء تاركًا تراث العرب الغني المكتنز؟
إن المضمون الواضح لهذه الحماسة من أصحاب الدعوة هو أن النثر سائر، في رأيهم، إلى أن يقتل الشعر، وأن دولة الوزن ستدول فيكتب شعراء الأمة العربية نثرًا وننتهي من الوزن. وهكذا يذهب هؤلاء المتحمسون الخياليون إلى أن الشعر شيء عتيق ينبغي أن يزول ويحل محله النثر، على أن ... - انتبه أيها القارئ فإنه يشترطون شروطا- على أن يحتفظوا بالكلمات "شعر" و"شاعر" و"وزن" لأنهم يريدونها لتسمية النثر والناثر وما يكتب. وهذا يبدو لنا من أعجب المفارقات، والحق يقال.
والأساس النفسي في هذه الدعوة أن هؤلاء الكتَّاب الفاضل، الذين يحسنون إبداع نثر جميل أحيانًا، يزدرون ما يمتلكون من موهبة ويتطلعون