يبدو وكأن الشاعر قد تجرد من الزمن فراح الماضي والحاضر والمستقبل تبدو له كلها واحدًا، ومن خلالها يبدو الموصوف متحركًا، متغيرًا، مؤثرًا فيما حوله متأثرًا به. وهو عين ما يحدث في الحياة الواقعية حين تسمح للزمن أن يمر على الأشياء. فما من شيء إلا ويتحرك ويتغير وتحول عليه الأحوال.
ومن هذا يبدو أن نقطة الارتكاز في القصائد الهرمية لا بد أن تتضمن "فعلًا" أو "حادثة" لا مجرد شيء جامد يحتل حيزًا من المكان وحسب. وفي نطاق هذا الفعل يتحرك الأشخاص والأشياء ويمر الزمن. فالأشخاص مثلًا يتبدلون وتتقلب عليهم الأحداث بحيث نجدهم في أول القصيدة يختلفون عنهم في آخرها على وجه ما. والأشياء تتغير قيمتها ومدلولاتها وأماكنها. والزمن ينصرم: فإذا بدأت القصيدة في طفولة بطلها انتهت وهو شيخ، وإن رأيناه، في بدايتها، صباح الثلاثاء ختمت القصيدة وهو قد عانى متاعب الأربعاء، وهكذا. وخلال ذلك تتغير المشاعر فتمتد وتضيق وتتسع كما يرسم لها الشاعر، ولذلك يغلب أن نجد فوارق عاطفية وزمنية بين بداية القصيدة ونهايتها. وذلك ما يميز الهيكل الهرمي عن سواه.
وفي مثل هذه القصائد، قصائد "الفعل" و"الحادثة" التي تتميز عن قصائد "الأشياء" نجد أن الأحداث تميل إلى أن تتكاثف في مكان من القصيدة دون مكان. فهي تبدأ عادة هادئة العواطف، غير ثائرة، والأشخاص يتحركون بتؤدة، وكأن الشاعر يمر بفترة "العرض" التي يمر بها القصاص، وهمه الأول أن يقدم أطراف الموضوع لقارئه. ثم تأتي لحظة تندفع خلالها المشاعر والأحداث إلى قمة شعورية، "قمة الهرم" فتتجمع القوى التي بدأت فعلها في المرحلة السابقة تجمعًا عنيفًا وتبلغ القصيدة أعلى مراتب التوتر ويحس القارئ أنه إزاء مشكلة فنية إنسانية. وسرعان ما تبدأ النهاية بعد لك حين يبدأ الشاعر بفك المشكلة وحل العقدة وتشتيت القوى المتجمعة.