للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا بد لنا أن نلاحظ هنا أن خاتمة القصائد الهرمية، تمتلك قابلية الانتهاء بسكون. وهو أمر غير ممكن في قصائد الهياكل المسطحة حيث ينبغي أن تكون الخاتمة جهورية على شيء من العلو، وكأن هذه "الجهارة" نوع من الحركة التي تجيء بعد السكون الطويل فتوحي بالانتهاء.

نموذج للهيكل الهرمي:

تصلح قصيدة علي محمود طه "التمثال"١ أن تكون نموذجًا ممتازًا للهيكل الهرمي لما تحتوي عليه من بناء مكتمل وصور جميلة ورموز وعاطفة. إنها تكاد تكون أجمل وأكمل قصيدة نظمها هذا الشاعر على الإطلاق، وهي بلا ريب قمة من قمم الشعر العربي الحديث كله. ولذلك سنقف عندها وقفة تحليلية متريثة لندرس ما فيها من أصالة وقوة بناء وجمال. يقول الشاعر في تقديم قصيدته إنها "قصة الأمل الإنساني" وهو بهذا يخبر القارئ أن "التمثال" ليس حقيقيًّا، وإنما هو رمز للأمل الذي بناه الشاعر، أو تبنيه الإنسانية كلها، فما يلبث الزمن حتى يحطمه تحطيمًا. على أن هذا التعريف لا يضيف إلى القصيدة شيئًا، فلو لم يصرح به الشاعر لما فقدت القصيدة أي شيء، سواء أكان هذا التمثال هو الحب أم الفن أم الجمال أم السعادة، كانت القصيدة كاملة. وذلك لأن نقطة الارتكاز هنا هي التمثال وما يحدث لهذا التماثل متضمن في داخل الهيكل، بحيث تكون القصيدة كاملة حتى ولو كان التمثال تمثالًا حقيقيًّا. المهم هو أن الزمن قد تعاقب على هذا التمثال في القصيدة، من الليل، إلى الضحى، إلى آلاف الليالي والأضاحي ابتداء من شباب الشاعر حتى شيخوخته. ولقد وصلت هذه الحركة الزمانية تمثال الشاعر


١ ديوان ليالي الملاح التائه، لعلي محمود طه. القاهرة.

<<  <   >  >>