والقصيدة تبدأ في شباب الشعر فنراه يمضي كل صباح ليصطاد غرائب البر والبحر، فلا يعود إلا مع المساء حاملًا صيده ليلقيه "على قدمي" تمثاله. وهو، في نشوة هذا الشباب المتفجر بالحيوية، يصعد إلى النجوم ويهبط إلى أعماق البحر، ويجوب البراري، ويقتحم الضحى في آسيا وإفريقيا، ويجوب عصور التاريخ، كل ذلك بحثًا عن الحلي التي يريد أن يتوج بها تمثاله الجميل. ولكن القصيدة لا تنتهي إلا بعد أن يشيب الشاعر فلا يعود يقوى على دفع عادية العواصف والسيول عن تمثاله، ويصيح لا مفر له من أن يقف جامدًا مغلوبًا ليراه يتحطم وتجرفه الأمواج. وبهذا نجد الزمن قد تحرك خلال أبيات القصيدة حركة سريعة مدهشة افتنَّ الشاعر في أساليب تصويرها وإبرازها. وسوف ندرس فيما يلي القصيدة بالتفصيل لنلاحظ وسائل الشاعر في صياغتها وبنائها.
لنلاحظ أولًا الحركة في الأبيات الافتتاحية في القصيدة:
أقبل الليل واتخذت طريقي لك
النجم مؤنسي ورفيقي
وتوارى النهار
خلف ستار شفقي من الغمام رقيق
مد طير المساء فيه جناحًا
كشرع في لجة من عقيق
نلاحظ أولًا الحركة في الفعل "أقبل" وفي ما توحيه عبارة "واتخذت طريقي لك" حيث نرى الشاعر يسير في طريقه نحو التماثل. ويؤكد الشاعر هذه الصورة بقوله "توارى النهار" فالفعل "توارى" بطبعه ممطوط، فيه بطء وانسحاب متريث، وتلك خاصية الأفعال المقيسة على