ما زال المتعصبون والمتزمتون من أنصار الشطرين يدحرجون في طريق الشعر الحر صخورهم التي يظنونها ضخمة؛ بحيث تقتل هذا الشعر وتزيحه من الوجود؛ مع أنها لا تزيد على أن تتدحرج من الجبل إلى الوادي ثم ترقد هناك دون أن تؤثر في مجرى نهر الشعر الحر الجارف الذي ينطلق يروي السهول الفسيحة وينتج أزهارًا وفاكهة ونخيلًا وبساتين. وهؤلاء المتعصبون ما زالوا يرددون قولًا مضمونه أن الشعر الحر ولد غير شرعي؛ فلا علاقة له بالشعر العربي. وأنا قد أثبت بالأدلة العروضية في هذا الكتاب أن ذلك الرأي باطل فإن شعرنا الجديد مستمد من عروض الخليل بن أحمد، قائم على أساسه؛ بحيث يمكن أن نستخرج من كل قصيدة حرة مجموعة قصائد خليلية وافية ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة. يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش مثلًا من "المتقارب":
وفوق سطوح الزوابع كل كلام جميل
وكل لقاء وداع
وما بيننا غير هذا اللقاء
وما بيننا غير هذا الوداع
ومع أن هذا شعر حر طبيعي إلا أن من الممكن اعتباره شعر شطرين بمجرد تغيير شكل كتابته كما يلي:
وفوق سطوح الزوابع كل ... كلام جميل وكل لقاء
وما بيننا غير هذا اللقاء ... وما بيننا غير هذا الوداع
وقد أسقطت كلمة واحدة هي "وداع"، وهذا يجب أن يقنع اعتراضات المتزمتين. فإن الشعر الحر يمكن أن يعد شعر شطرين اعتياديًّا