فقد يرد شرط ذو تفعيلتين يليه آخر ذو أربع تفعيلات وثالث ذو تفعيلة واحدة. اعتاد الجمهور أن يكون البيت ذو الشطرين وحدة في القصيدة، فإذا هو اليوم يقرأ شعرًا حطم فيه استقلال البيت تحطيمًا متعمدًا قضى على عزلته وأدمجه في الأبيات الأخرى. كان العروضيون يتحدثون مثلًا عن وزنين متميزين اسمها "الكامل" و"مجزوء الكامل" فإذا الشاعر الحديث يدمج الوزنين حين يريد ويعدهما وزنًا واحدًا لأن تفعيلتهما واحدة.
والواقع أن ملخص ما فعلته حركة الشعر الحر أنها نظرت متأملة في علم العروض القديم واستعانت ببعض تفاصيله على إحداث تجديد يساعد الشاعر المعاصر على حرية التعبير وإطالة العبارة وتقصيرها بحسب مقتضى الحال. ولم تصدر الحركة عن إهمال للعروض، كما يزعم الذين لا معرفة لهم به، وإنما صدرت عن عناية بالغة به جعلت الشاعر الحديث يلتفت إلى خاصية رائعة في ستة بحور من الشعر العربي تجعلها قابلة لأن ينبثق عنها أسلوب جديد في الوزن يقوم على القديم ويضيف إليه جديدًا من صنع العصر.
وما كاد الجمهور العربي يتسامع بالدعوة حتى أسرع إلى رفضها وأساء الظن بها واتهمها. وكانت أحب التهم إلى قلوب المعارضين أن الشباب من الشعراء قد أحدثوا طريقة يتخلصون بها من صعوبة الأوزان العربية القائمة وتعينهم على تغطية كسلهم وضحالة مواهبهم الشعرية. قالوا إن الحرية من القيود العروضية استسلام إلى السهولة والرخاوة ولجوء إلى الترف، وإن هذا الشعر الحر قضية هينة يسيرة يستطيعها حتى من لم يكن شاعرًا. والواقع أنه ليس من الثابت فلسفيًّا أن الحرية أسهل من اتباع القيود.
ولعل الأمر أن يكون على العكس. وذلك لأن كل حرية على الإطلاق تتضمن مسئولية. لقد كانت الإنسانية في كل زمان ومكان حريصة على قيودها فبقيت تجرها وتتمسك بها مع أنها تحز عنقها وذراعيها، لا لشيء إلا لأن هذه القيود تحمي من متاعب الحرية ومسئولياتها ومآزقها،