للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالاتجاهات الاجتماعية العامة للفرد العربي المعاصر وترتكز إلى تفاصيل الشعر القديم وخصائص الشعر الحر نفسه.

١- النزوع إلى الواقع:

تتيح الأوزان الحرة للفرد العربي المعاصر أن يهرب من الأجواء الرومانسية إلى جو الحقيقة الواقعية التي تتخذ العمل والجد غايتها العليا، وقد تلفت الشاعر إلى أسلوب الشطرين فوجده يتعارض مع هذه الرغبة عنده لأنه من جهة مقيد بطول محدود للشطر وبقافية موحدة لا يصح الخروج عنها، ولأنه من جهة أخرى حافل بالغنائية والتزويق والجمالية العالية.

أما القيود التي تضيق آفاق الأوزان القديمة، فهي تلوح للفرد المعاصر ترفًا وتبديدًا للطاقة الفكرية في شكليات لا نفع لها، في وقت ينزع فيه هذا الفرد إلى البناء والإنشاء وإلى إعمال الذهن في موضوعات العصر. إنه يكره أن يضيع جهوده في إقامة هياكل شعرية معقدة، لها من الرصافة والهيبة أكثر مما يطيق. ولعل الرصانة الشديدة منفرة للذهن العامل الذي يريد البناء، وذلك لأنها تقيد الحركة. والشاعر يريد أن يتحرك ويندفع. إن مشكلات العصر تناديه وهو لا يجد وقتًا لترف القيود وبطر القافية الموحدة. ثم إن فروض العمل والحياة المنتجة تتطلب أن يخلق لنفسه أسلوبًا أكثر حرية وأقل هيبة وجلالًا. وهو في هذا أشبه بإنسان يشتغل فلاحًا ويضايقه أن يلبس ثيابًا أنيقة مترفة لأنه يحتاج إلى لباس بسيط يعطيه الحرية على الحركة والقدرة على العمل. ولذلك انطلق الشاعر الحديث وخلق أسلوب الشعر الحر ببساطة أسلوبه وخلوه من الرصانة.

أما الغنائية فهي تنشأ عن الموسيقية العالية في الأوزان القديمة، ومن ثم فهي تعطي تلك الأوزان جوًّا من العاطفة المصطنعة والخيال. والغنائية

<<  <   >  >>