ملازمة للتقييد لأنها تتضمن مبالغة وإسرافًا في العواطف. فما يكاد الشاعر يقع في مآزق القافية الموحدة ويتلكأ عند البيت الواحد حتى يعتريه إحساس بأنه لا يعبر، وإنما يكتب شيئًا مترفًا تتحكم فيه هذه الملكة الجميلة المستبدة التي تقف في آخر البيت وتصر على أن تكون أبرز ما فيه. ولعل هذا الإحساس بالترف والفراغ هو الذي يجعل الشعر القديم حافلًا بالأجواء المثقلة بالعنبر ونسيم الصبا والثياب الحريرية تجرها فتيات ناعمات لا عمل لهن سوى الدلال ونوم الضحى. إن الشاعر المعاصر -وهو فرد في مجتمع يعمل ويبني- يضيق بهذا الجو الكسول النعسان، وهذه الجمالة المفروضة فرضًا؛ أنه يريد أن يكون شعره مفكرًا، إيجابيًّا، طويل العبارة، فلا تسمح له بذلك الغنائية العالية في الأبحر الشطرية. وهو ينفر من هذه النبرة العاطفية المموسقة لأنها لا تلائم نزوعه إلى العمل والنشاط، ومن ثم فهو يريد أن يحطمها ويخرج من قمقم الأحلام وأوهام ألف ليلة وليلة. لقد وجد في الشعر الحر مهربًا من هذا الجو المثقل بالجواري والحرير وأشعة مصباح علاء الدين، وهو يطلب الواقعية حتى إذا كانت قاسية خشنة فيمد يديه ليلمس الحقيقة ولو أدمتهما.
وأما لماذا يصلح الشعر الحر للتعبير عن حياة ليس الجمال الحسي غايتها العليا؛ فلأنه كما أشرنا يخلو من رصانة الأوزان القديمة ويجعل غايته التعبير لا الجمالية الظاهرية. وهكذا تستطيع النظرة الاجتماعية أن تتبين في حركة الشعر الحر جذور الرغبة في تحطيم الحلم والإطلال على الواقع العربي الجديد دونما ضباب ولا أوهام.
٢- الحنين إلى الاستقلال:
يحب الشاعر الحديث أن يثبت فرديته باختطاط سبيل شعري معاصر يصب فيه شخصيته الحديثة التي تتميز عن شخصية الشاعر القديم. أنه يرغب