للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أن يستقل ويبدع لنفسه شيئًا يستوحيه من حاجات العصر. يريد أن يكف عن أن يكون تابعًا لامرئ القيس والمتنبي والمعري. وهو في هذا أشبه بصبي يتحرق إلى أن يثبت استقلاله عن أبويه فيبدأ بمقاومتها. ويعني هذا أن لحركة الشعر الحر جذورًا نفسية تفرضها، وكأن العصر كله أشبه بغلام في السادسة عشرة يرغب في أن يعامل معامل الكبار فلا ينظر إليه وكأنه طفل أبدًا.

إن حرقة الاستقلال هذه تساهم إلى حد ما في دفع الشاعر الحديث إلى البحث في أعماق نفسه، عن مواهب كامنة غير مستغلة وعن مقدرات وخصائص يمكن أن تشحذ وتبرز فتعطيه شخصية متفردة تميزه عن أسلافه. وقد وجد الثورة على القوالب الشعرية متنفسًا لهذه الحرقة إلى الاستقلال فثار عليها. ولا ريب في أن هذه النزعة هي تفسير ما نراه من إيغال بعض الناشئين من الشعراء في التطرف والاندفاع وقد ظنوا أن الأوزان القديمة عاطلة عن القيمة وتعالوا حتى على القواعد الشعرية التي رسخت عبر مئات من سنوات الشعر واللغة. ولن يصعب على الناقد المتزن أن يغفر لهؤلاء المتطرفين نزق أشطرهم ورعونة قوافيهم ما دام يدرك الأساس النفسي للمبالغة التي سقطوا فيها.

٣- النفور من النموذج:

من طبيعة الفكر المعاصر عمومًا أنه يجنح إلى النفور مما أسميه "بالنموذج" في الفن والحياة. وأقصد بالنموذج اتخاذ شيء ما وحدة ثابتة وتكرارها بدلًا من تغييرها وتنويعها. وتلاحظ فكرة النموذج في الفن الإسلامي القديم في ما نرى على جدران المساجد والقصور وقبب الجوامع ومنائرها، حيث يقوم التزيين على أساس تكرار وحدة تجريدية ثابتة، أو مجموعة وحدات منضمة في وحدة أكبر، على أن تراعى في التكرار النسب

<<  <   >  >>