للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المضبوطة ضبطًا دقيقًا. إن الأساس الذي قام عليه هذا الفن العربي عين الأساس الذي قام عليه شعرنا القديم. فقد كان الشطر أو البيت يتخذ وحدة ويحافظ الشاعر على عزلة هذه الوحدة بتحاشي التضمين الذي مر تعريفه مراعيًا المسافات المضبوطة بينها وبين سائر الوحدات التي يتكررها إلى نهاية القصيدة.

وجاء الشاعر المعاصر باتجاهاته الحديثة ونظر في نظام الشطرين فوجده يبيح له شكلًا مقيدًا بنمط معين ذي طبيعة هندسية مضغوطة. إن الأشطر المتساوية والوحدات المعزولة لا بد أن تفرض على المادة المصبوبة فيها شكلًا مماثلًا يملك عين الانضغاط وتساوي المسافات. أو لنقل أن هندسية الشكل، لا بد أن تتطلب هندسية مقابلة في الفكر الذي يستوعبه هذا الشكل، وذلك بمعزل عن حاجة السياق. والقوالب تفرض شكلها على المادة التي تنضغط في داخلها، وإذا كانت القصيدة الشطرية ملزمة بالمحافظة على أطوال ثابتة ومسافات متناسقة فإن المادة التي يعالجها الشاعر لابد أن تصبح هي الأخرى ذات مسافات متناسقة وذلك بحكم قانون خفي يربط بين الشكل والمضمون ويجعل الواحد منهما مؤثرًا في الآخر، متأثرًا به في الوقت نفسه.

وأبسط نتائج هذا الإلزام في القصيدة العربية القديمة ما نلاحظه من ميل العبارات إلى أن تنتهي بانتهاء الشطر، وإذا امتدت فإلى نهاية البيت حيث القافية الموحدة تنتصب شامخة وتبني جدارًا متينًا يصعب على المعنى أن يتخطاه. ونحن نعلم يقينًا أن من شروط البيت الجيد عند العرب أن يكون مستقلًّا في معناه وصياغته عما بعده، بحيث عدوا "التضمين" عيبًا فادحًا من عيوب الشعر. يضاف إلى هذا أن الشطر لا يسمح للشاعر بأن يستعمل عبارة أقصر منه، فكان لابد للشاعر أن ينهي العبارة معه. وهكذا فرضت الأشطر المتساوية أن تكون العبارات متساوية إلى حد ما، أو مقسومة إلى قسمين متساويين. وفي هذا ما لا يروق للشاعر الحديث الذي

<<  <   >  >>