للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسمًا فارسيًّا هو "البقجة" فكان البناء يحيط بهذه الساحة من جهاتها الأربع. وإذ أنظر الآن إلى الوراء، ألاحظ أن نظام الشطرين الخليلي في الشعر كان متناسبًا مع هذا الطراز في البناء لأن الشطرين تتوسطهما فسحة أو سكتة في وسط البيت.

والواقع أن شكل البناء هذا، قد كان هو المستعمل في البلاد الإسلامية منذ العصر الأموي فيما أعلم؛ لأنني شاهدت في مُتْحف دمشق الوطني نموذجًا كبيرًا لقصر الخليفة هشام بن عبد الملك فكان مبنيًّا على الطراز نفسه: ساحة واسعة في الوسط فيها الحدائق، تحف بها مباني القصر من أربع جهات. ولسنا ندري كيف كانت قصور ملوك المناذرة والغساسنة تُبنى في الجاهلية وإن كنت لا أستبعد أن تقوم على النسق نفسه ما دام هناك ارتباط خفي بين شعر الشطرين وطراز المباني.

وفيما بعد، عندما راحت بغداد القرن العشرين تتسع إلى الضواحي، بدأ الناس يبنون بيوتهم على الطراز الغربي المعدل فلا يستبقون ساحة وسط البيت وإنما يجعلون الفسحة أمام البيت ووراءه -حدائق- ولكن تأثير نظام الشطرين الشعري بقى نافذ المفعول في طراز البناء؛ لأن المهندس كان حريصًا دائمًا على تشييد بيت له جانبان متناظران تمام التناظر، فالجانب الأيمن يشبه الجانب الأيسر كل الشبه بحيث لو مددنا خطًّا وسط البيت لكانت الجهتان متطابقتين. وقد استمر هذا النسق المتناظر مسيطرًا على مباني مدينة بغداد إلى حوالي سنة ١٩٥٥.

وفي سنة ١٩٤٩ ظهرت مجموعتي الشعرية "شظايا ورماد" وفيها الدعوة الأولى إلى الشعر الحر. وإذ أنظر الآن إلى الماضي، أحس أنني إنما ثرت على طريقة الشطرين الخليلية، نفورًا من المنزل المتناظر الذي يتطابق جانباه تمام التطابق. والحق أنني كنت أستشعر ضيقًا شديدًا بنظام البيوت في بغداد كنت كلما رأيت مسكنًا متناظرًا شعرت بنفسي تضيق وتظلم. ولم يخطر على

<<  <   >  >>