وننتقل الآن إلى باب المبتدأ والخبر، قال المصنف رحمه الله (بَابُ اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ: اَلْمُبْتَدَأُ: هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) .
المبتدأ لا يكون إلا اسمًا، ولا يكون فعلا، ولا يكون جملةً، ولا يكون حرفًا، (اَلْمَرْفُوعُ) حق المبتدأ أن يكون مرفوعًا، (اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) ، يُخرج بقوله (اَلْعَارِي) أن يتقدم عليه مثلا حرف جر، أو أن يتقدم عليه إن وأخواتها، وأن يتقدم عليه كان وأخواتها، أو أن يتقدم عليه ظنّ وأخواتها، فإنه سوف يتغير الحكم، أما تقدم الجار عليه فأحيانًا لا يتغير إلا قليلا، نحو قولك مثلا "بحسبك درهمٌ"، فالباء هنا يقولون حرف جار زائد، و"حسب" هنا مجرور لفظًا مرفوعٌ محلا لأنه مبتدأ، ودرهمٌ خبر، فهو هنا لم يعر عن العوامل اللفظية، لكن الحرف الموجود هنا حرف جر زائد، لكن لو كان حرف جر أصليًّا لما جاز لنا أن نعربه مبتدأ، لأنه لابد أن يعرو عن العوامل اللفظية. مما يمكن أن يُنظر فيه من العوامل اللفظية إنّ وأخواتها، يتغير الحكم حينئذٍ، ما يصير تعربه مبتدأ، يصير تعربه اسم إنّ، كان وأخواتها كذلك، لا تعربه مبتدءًا وإنما تعربه اسم كان، ظن وأخواتها كذلك ما تعربه مبتدءًا وإنما تعربه مفعول أول، وهكذا.
في بعض الأحيان يا إخواني لا يصير اسمًا صريحًا، وأحيانًا يكون اسمًا صريحًا، قال الله عزّ وجلّ ? مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ? [الحجرات: ٢٩] ، ? مُحَمَّدٌ ? هذا مبتدأ، وهو اسمٌ صريحٌ واضح، وقال الله سبحانه وتعالى ? وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ? [البقرة: ١٨٤] ، أنت قلت قبل قليل إن المبتدأ لا يكون إلا اسمًا، "أنْ" هذه حرف، و"تصوموا" فعل مضارع، فكيف تعرب هذه الجملة، قال هو ظاهره ليس اسمًا، ولكن في حقيقته هو اسمًا، لأن أنْ وما دخلت عليه تؤولان بمصدر، ويُعرب هذا المصدر مُبتدءًا، والتقدير في هذه الآية ـوالله أعلم ـ "وصيامكم خيرٌ لكم"، لأن "أنْ" هذه تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإذاً يجوز أن يكون المبتدأ اسمًا ظاهرًا أن يكون مؤولا وذلك إذا كانت داخلةً عليه "أنْ" المصدرية أو "لو" المصدرية أو ما شاكل ذلك، هذا هو المبتدأ.